توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روح الملك خوفو ترفرف!

  مصر اليوم -

روح الملك خوفو ترفرف

بقلم - دكتور زاهي حواس

هناك العديد من القصص والأحداث الغريبة المرتبطة بآثار الفراعنة وبعضها لا يمكن تصديقه لخروجه عن قواعد المنطق. ومعظم ما وقع من حوادث كان بطلها هؤلاء الأجانب المهووسين بالفراعنة وآثارهم، ومنهم من انتظموا في مجموعات وجمعيات خاصة معلنة وليست سرية ويمكن لأى إنسان يؤمن بمعتقداتهم أن ينضم إليهم! ومن هذه المجموعات أو الجماعات واحدة تعرف باسم الـ «روزكروشين»، وكانوا يأتون إلى مصر في كل عام مرة أو أكثر ويدفعون قيمة الفتح الخاص للهرم الأكبر كى يقضوا ليلة كاملة داخل غرفة الدفن للملك خوفو على ضوء الشموع وهم جالسون على الأرض متحلقون حول جدران غرفة الدفن، ويبدأ هؤلاء في طقوس التأمل أو الصفاء الذهنى والجسدى معتقدين أن للهرم طاقة يستمدها من طاقة روح الملك خوفو نفسه!، وقبيل شروق الشمس يغادر هؤلاء الهرم ويمشون سيرًا على الأقدام إلى أبوالهول ليروا الشمس وهى تشرق على وجه التمثال، وبالتالى يعتقدون أنهم قد أتموا تجديد طاقتهم الروحية والنفسية، أو بمعنى آخر يكونون قد ولدوا من جديد. إلى هذا الحد فإن الناس أحرار فيما يعتقدونه أو فيما يختارونه لأنفسهم من طريقة للوصول إلى حالة الصفاء النفسى. ولكن هناك من ينحرف به فكره إلى حدود اللامعقولية، ومن هؤلاء ذلك الشاب الألمانى الذي كان يعمل مدرساً في بلده وجاء مع مجموعة من المتأملين من الـ «روزكروشين»، وبعد إتمام التصاريح الخاصة بهم طلب مقابلتى في مكتبى وكان شاباً مفعماً بالحيوية والنشاط، وقد أخبرنى أنه جاء مع مجموعة من الألمان وأنهم سيمضون ليلتهم داخل الهرم وأنه في هذه الليلة ستتحد روحه مع روح الملك خوفو!، ابتسمت في هدوء وتمنيت له وقتاً سعيداً في مصر وانتهت المقابلة التي لم تستغرق دقيقتين. العجيب، وهو الأمر الذي استغرق منى أياماً كثيرة لكى أستوعب أن هذا الشاب أرسل المجموعة التي معه إلى الهرم بينما توجه هو إلى برج الجزيرة وألقى نفسه منتحراً وهو يعتقد أن روحه ستذهب إلى الهرم وتتحد بروح الملك خوفو، وأنه سيمضى للأبد روحاً داخل الهرم يمنح كل أفراد مجموعته ومن يأتون بعدهم الطاقة وإعادة الميلاد!.

وكان من أهم المهتمين بأبوالهول شخص يدعى جون أنتونى وست، وكان يعمل مرشداً سياحياً يأتى بأفواج سياحية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى مصر، ويحدثهم عن أفكاره الغريبة، ومنها أن أبوالهول عمره ١٥ ألف سنة، وهذا عمر أكبر بكثير مما يدعيه علماء الآثار، ومنهم كاتب هذه السطور من وجهة نظره!. وكان جون هذا يقول إن عمليات النحر الموجودة على صدر أبوالهول وتظهر على صخر الهضبة المحيطة نتجت من الفيضانات الهائلة التي تعرضت لها مصر من ١٥ ألف سنة، وبالتالى فإن قصة أن خفرع هو الذي نحت أبوالهول خرافة من وجهة نظره. وفى إحدى زيارات جون إلى مصر أحضر معه مدرس جيولوجيا مغمورا من جامعة بوسطن كان هو الآخر يبحث عن الشهرة وبالفعل قام مدرس الجيولوجيا بتأييد نظرية جون، وقد تصديت لهما وفندت أكاذيبهما بالأدلة العلمية، التي كان آخرها رأى علماء حقيقيين وليسوا مزيفين يسعون وراء الشهرة، وقد أثبت هؤلاء أن عمليات النحر التي تظهر على جسد أبوالهول سببها الرياح المحملة بالرمال وليس مياه الفيضانات. ولم يكتف جون أنتونى وست بذلك، بل استطاع تكوين فريق عمل وجمع المال لعمل فيلم وثائقى عن أبوالهول ليظهر هو فيه وهو يقوم بأعمال الحفر والاستكشاف حول وأسفل أبوالهول، وكأنه عالم أثرى حقيقى وليس مدعيا!، بل كان ينوى نصب فخ لى بأن يستدرجنى للظهور بالفيلم حتى أعطيه المصداقية، لكننى بالطبع أغلقت عليه هذا الباب وقلت له إنه يستحيل أن يحصل على تصريح للعمل داخل حرم أبوالهول، فمن يحصلوا على مثل ذلك التصريح هم فقط الجهات العلمية المعتمدة. لكن ما حدث بعد ذلك كان شيئا من الخيال. حيث فوجئت في أحد أيام عيد الأضحى المبارك بمفتش الآثار المكلف في منطقة الهرم يتصل بى على الهاتف ليخبرنى أن هناك مجموعة من الأشخاص، ومنهم جون أنتونى وست، قد حضروا إلى المنطقة الأثرية بتصريح من رئيس هيئة الآثار في ذلك الوقت، وكنت وقتها مدير عام آثار الهرم، وعلى الفور ذهبت إلى المنطقة الأثرية وعندما وصلت إلى أبوالهول فوجئت بهؤلاء ومعهم مطارق وآلات حفر وجهاز رادار فما كان منى إلا أن قمت بطردهم من المنطقة.

في اليوم التالى للحادثة فوجئت بأغرب اتصال تليفونى من رئيس هيئة الآثار الذي سألنى كيف أقوم بطرد بعثة معها تصريح منه؟! فقلت له بهدوء إن مثل هذا التصريح يصدر فقط من اللجنة الدائمة للآثار والمشكلة من علماء ومتخصصين في كل ما يرتبط بالآثار. وهنا قال لى إنه أخذ موافقتهم بالتمرير أي أنه بدلاً من عقد اجتماع لهم أرسل الطلب إلى الأعضاء ووافقوا عليه!، وكان ردى عليه أن هذا لم يحدث حيث إننى عضو في هذه اللجنة، ولم أر مثل هذا الطلب من قبل. وأخيراً فوجئت به يقول لى إن الموافقة جاءته من فاروق حسنى، وزير الثقافة ورئيس الآثار في ذلك الوقت، لكنى جادلته بأن ذلك غير صحيح، حيث إنه لو كان صحيحاً لحدثنى فاروق حسنى به! وهنا تكشفت المفاجأة المحزنة، وهى أن من قام بتقديم الطلب إلى رئيس هيئة الآثار كان هو رئيس وصاحب شركة السياحة ووكيلهم في مصر. وكان اسم صاحب الشركة ينتهى باسم «حسنى»، ولا أعرف من أوحى لرئيس هيئة الآثار أن صاحب شركة السياحة هو أخو فاروق حسنى؟!، لقد كان موقفاً صعباً وأنا أؤكد لرئيس هيئة الآثار أنه لا علاقة على الإطلاق بين هذا وذاك؟ وقلت له ولو افترضنا جدلاً أن الطلب مقدم ممن ينتسب إلى وزير أو مسؤول كبير فإن القوانين لا تعرف المناصب وفى كل حال ليس هناك قوة تستطيع أن تعطى هؤلاء النصابين تصريحا بالعمل في آثارنا.

أحدثكم الآن عن شخص آخر هو جراهام هانكوك وله مؤلفات مثيرة باعت آلاف النسخ، يربط في كتبه بين بناء الحضارة المصرية وآثارها، وعلى رأسها الأهرامات، وبين أصحاب الأطلانتس المفقودة. وانضم له في هذا المضمار شخص آخر يدعى روبرت بوفال، وقام هو أيضاً بتأليف كتب مثيرة يربط فيها بين بناء الأهرامات وبين النجميين ووهم الفضائيين، وفى كتاباته نرى الربط بين المجموعات الهرمية، خاصة تلك التي في الجيزة والتى في أبوصير وبين مجموعة نجم الأوريون. وعلى الرغم من عدم وجود أسانيد علمية للهراء الذي يحشو به هؤلاء كتبهم إلا أنهم يعرفون كيف يبنون عالما خياليا مثيرا يجعل الناس تقبل على قراءة كتبهم وتصديق كل حرف يكتبونه لأنهم ببساطة- أي الناس- لا يبحثون عن أدلة علمية جافة ومملة ولكن يبحثون عن الإثارة والخيال وهى البضاعة التي كان يقدمها لهم جراهام هانكوك وروبرت بوفال ببراعة.

لا يجب لوم أي إنسان يأتى إلى زيارة الهرم الأكبر ويقف أمامه مبهوراً ثم يؤمن من داخلة أنه من المستحيل أن يكون البشر قد بنوا هذه المعجزة منذ آلاف السنين وأنهم استطاعوا حمل هذه الأطنان من الحجارة سواء من الحجر الجيرى أو الجرانيت؟! هؤلاء الناس لم يدرسوا علم الآثار ولم يتخصصوا في بناء الأهرامات ولو أنهم وجدوا من يبسط لهم المعلومات ويقدمها لهم بشكل بسيط وواضح لذهب عنهم العجب ولأصبحت المفاهيم صحيحة حول حضارتنا المصرية القديمة ومعجزاتها. ونحتاج إلى أن نعرّف الناس بأن أجدادنا المصريين القدماء أمضوا سنوات وعقودا طويلة يحاولون خلالها بناء هرم صحيح الزوايا ويفشلون ثم يحاولون ويفشلون، حتى استطاع الملك سنفرو أبوالملك خوفو بناء أول هرم صحيح الزوايا وحقيقى بدهشور وهو الهرم الأحمر أو المعروف أيضاً بالهرم الشمالى. إن معجزة هرم خوفو لم تولد فجأة، بل استغرقت سنوات طويلة من البحث والتجربة، وبالتالى فالعالم يشهد بأن الأهرامات اختراع مصرى صميم.

داخل هرم الملك خوفو، وتحديداً فوق حجرة دفن الملك العلوية توجد خمس حجرات صغيرة لتخفيف الضغط على حجرة الدفن، وبالتالى حمايتها من ثقل الثلث الأخير من الهرم الذي يعلوها. وعلى جدران هذه الحجرات عثرنا على أسماء فرق العمال التي شاركت في بناء الهرم بل وعلى ذكر لأعوام البناء والذى نعرف الآن أنه ربما استغرق ما يقرب من ٢٨ عاماً. ومنذ بضعة أعوام تم الكشف عن برديات وادى الجرف على البحر الأحمر وفيها مجموعة من البردى تمثل يوميات أو حوليات أحد رؤساء العمال ممن شاركوا في بناء الهرم ويسمى «مرر»، والذى يذكر لنا أنه تم تكليفه على رأس ٤٠ عاملا وبحارا بنقل أحجار الكساء الخارجى لهرم الملك خوفو من محاجر طرة وحتى هضبة الجيزة! ويصف لنا كيف أنجز هذا العمل والوقت الذي استغرقه للوصول إلى منطقة التسليم المكتظة بالعمل طوال الوقت، والتى كان يشرف عليها «عنخ حاف» الذي نعلم الآن أنه هو نفسه المهندس المعمارى الذي أنهى مشروع بناء الهرم بعد وفاة «حم ايونو».

لقد قمت بالكشف عن جبانة ضخمة للعمال والفنانين الذين بنوا الأهرامات ونعرف كيف كان هؤلاء يعيشون ويعملون. كما تم الكشف عن العديد من أسرار الأهرامات طوال ما يقرب من قرن ونصف من العمل داخلها وحولها عن طريق علماء من مختلف الجنسيات نشروا كتبهم وأبحاثهم التي تمحو أي شك في أن من بنى هذه الأهرامات هم المصريون القدماء.

لقد تصديت طوال حياتى لكل مشكك في حضارتنا وناظرت كل من ذكرتهم في مقالى هذا وقدمت للناس الحجج والبراهين على كذب ادعاءات هؤلاء المزيفين، ومازلت إلى اليوم أقول إن من حق كل إنسان أن يحلم وأن يتخيل ما يشاء، لكن المهم دائماً أن يحكّم عقله وأن يستمع إلى العلم والعلماء حتى لا يقع فريسة لوهم أو خيال قد ينتهى به إلى أن يفقد حياته مثل هذا المسكين الذي ألقى بنفسه من أعلى البرج ليتحد مع روح الملك خوفو.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روح الملك خوفو ترفرف روح الملك خوفو ترفرف



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon