قد لا يعرف الكثيرون فى مصر والعالم عن طائفة المورمون فى الولايات المتحدة الأمريكية! وهناك البعض ممن لم يسمعوا من قبل عن هذه الطائفة، على الرغم من نموها المطرد الذى وصل بأعدادهم إلى الملايين من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، بل وأصبحوا يشكلون أكثر من ٦٠٪ من تعداد ولاية يوتا الأمريكية! والمورمون هم طائفة دينية مسيحية أسسها جوزيف سميث فى النصف الأول من القرن التاسع عشر ولهم ممارسات خاصة بهم وحدهم، منها تحريم تناول الشاى والقهوة وكل المشروبات التى يوجد بها الكافيين، وبالطبع تحريم شرب الخمر والمسكرات، وتحريم إقامة علاقات جنسية قبل وخارج إطار الزواج، وإباحة تعدد الزوجات وإن كان معظم المورمون لا يتزوجون سوى بزوجة واحدة فقط إلا أن تعدد الزوجات مباح فى عقيدتهم. ونساء المورمون مُطالَبْنَ بالاحتشام فى ملابسهن ومحرم عليهن ارتداء الملابس الكاشفة لمفاتنهنّ. ويمتاز المورمون بتقديسهم الحياة العائلية وإنجاب الكثير من الأبناء ومعروفون بحسن الضيافة وإكرام الضيف.
وعلى الرغم من أننى زرت، بل وحاضرت فى معظم الولايات الأمريكية ومدنها، إلا أن الفرصة لم تأتنى قط من قبل لزيارة يوتا معقل المورمون والمحاضرة بها، حتى حضر إلى القاهرة منذ أشهر قليلة ماضية رجل الأعمال الأمريكى دونالد جنيل، وهو صديق للعديد من المصريين، سواء المقيمين بأمريكا أو فى مصر. وقد تقابلت معه فى القاهرة وقام بدعوتى لزيارة مدينة سولت لاك وهى كبرى مدن ولاية يوتا وأكثر من نصف سكانها من المورمون. طلب منى دونالد إلقاء محاضرة بالجامعة عن الفراعنة وعن اكتشافاتى وكذلك حضور احتفالات المدينة بالكريسماس؛ خاصة أن إحدى أشهر الفرق الموسيقية بالعالم هى كورال سولت لاك. وكان من ضمن من وجهت لهم الدعوة أيضًا السفيرة المتميزة لمياء مخيمر التى جاءت من لوس أنجلوس، ومديرة مركز البحوث الأمريكى الدكتورة لويس بريتنى، والدكتور محمود عبدالله المعروف عن طريق أوبرا الميتروبوليتان.
سافرت إلى سولت لاك بعد أن انتهيت من زيارتى إلى مدينة استوكهولم بالسويد، وبمجرد وصولى إلى المدينة وجدتها مغطاة بثوب من الجليد الأبيض الناصع وكأنها عروس جميلة يوم زفافها! وخلال إقامتى القصيرة بالمدينة تسنى لى معرفة الكثير عن مؤسس الطائفة جوزيف سميث الذى يعتبره بعض المورمون نبيًا وليس فقط مجرد مؤسس لطائفة لها ممارساتها الدينية الخاصة.
ولد جوزيف سميث عام ١٨٠٥م وفى عام ١٨٢٣، أعلن أن وحيًا من السماء جاءه ليبشرة بقرب ظهور الألواح الذهبية المختفية، والتى سميت كذلك بالألواح المصرية القديمة كونها نزلت على موسى عليه السلام بسيناء. وقال سميث إنه ألقى عليه نص لوح من الألواح قام بترجمته إلى الإنجليزية، وأصبح يمثل كتاب المورمون الذين يؤمنون بأنه تكملة للتوراة أو التى نزلت على سيدنا موسى عليه السلام. بعدها قام جوزيف بتأسيس كنيسة جديدة وسمى أهل طائفته بالمورمون نسبة إلى المورمونية، وهى الديانة التى نادى بها. لاقى جوزيف وطائفته عداءً شديدًا من المسيحيين المتشددين الذين ثاروا عليه وأسروه هو وأخاه وقاموا بتعذيبهما وقتلهما وحرق كنيستهما ومنازل المورمون وقتل كثير منهم، وكان ذلك فى عام ١٨٤٤م. وعلى الرغم من ذلك انتشرت أفكار ومعتقدات جوزيف سميث وأصبح تعداد المورمون بالملايين، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، خاصة فى المكسيك.
وتستمر احتفالات الكريسماس الرسمية بمدينة سولت لاك لمدة ثلاثة أيام، يحضرها الملايين من كل مكان وتتم دعوة ٢١ ألف شخص للمشاركة فى الاحتفال يوميًا عن طريق القرعة. ويتكون الكورال من ٣٢١ شخصًا نصفهم من النساء يرتدين الملابس الحمراء، أما الرجال فيلبسون ملابس السهرة الرسمية، تتقدمهم الفرقة الموسيقية ويستمر الاحتفال لمدة تسعين دقيقة، يتم خلالها عزف المقطوعات الغنائية الدينية الجميلة وأغانى الكريسماس الكلاسيكية فى جو احتفالى ينسيك هموم العالم ومشاكله. وفى كل عام يتم اختيار أحد المشاهير للتعليق بأحاديث ومواعظ دينية تتخلل المقطوعات الموسيقية وكان من قام بهذا الدور هذا العام هو الممثل الإنجليزى الشهير دايفيد سوشيت، الذى قام بدور المحقق (المخبر) فى فيلم أجاثا كريستى الشهير «جريمة على ضفاف النيل».
وقد قمت بمقابلة ديفيد وهو شخص مثقف يعشق مصر وقد حصل على لقب سير من الملكة إليزابيث ملكة انجلترا السابقة. قمت بدعوة ديفيد إلى زيارة مصر وقد وعدته بجولة ساحرة على طول ضفاف النيل ليرى النيل ومعابد الفراعنة وآثارهم التى تحف ضفتى النهر. وقد اتفقنا على أن الفيلم الثانى الذى سمى باسم جريمة على النيل هو عمل فنى هابط من ناحية التمثيل والإنتاج، خاصة أن الفيلم الذى مثل فيه كان معظمه داخل استوديوهات بلندن بنوا فيها معابد مزيفة ونهرا مزيفا.
وصلنا إلى يوم الأحد الموافق ١٨ ديسمبر، وكان هو موعد المباراة النهائية فى كأس العالم بقطر بين الأرجنتين وفرنسا. ولأن معظم الشعب الأمريكى لا يهتم كثيرًا بكرة القدم، بل وعندهم ما يسمونه كرة القدم الخاصة بهم! فقد قاموا بترتيب زيارة لى فى ذلك اليوم تبدأ من العاشرة والنصف صباحًا، حيث يتحتم علىّ مغادرة الفندق للحاق بحفل موسيقى شهير، بعدها عدد من الزيارات لأماكن أخرى. كنت فى غرفتى أتابع المباراة على قناة فوكس الرياضية، وسارت المباراة فى الشوط الأول بتقدم الأرجنتين، ولكن قبل مغادرة الفندق ذهبت المباراة إلى شوطين إضافيين، وطلبت منظمى الزيارة على الهاتف لأطلب منهم تأجيل موعد التحرك من الفندق لمدة ١٥ دقيقة، وبالفعل أحرزت الأرجنتين هدفها الثالث فى مرمى فرنسا وسعدت كثيرًا وقمت بمغادرة الفندق، ولكن وأنا فى السيارة فوجئت بالمجموعة التى معى تخبرنى بأن فرنسا قد أدركت التعادل وأن المباراة ذهبت إلى ضربات الترجيح. وقامت إحدى السيدات بإخراج هاتفها وإيصاله بالقناة التى تعرض المباراة على الإنترنت، وبالفعل شاهدنا جميعًا ضربات الترجيح وتتويج الأرجنتين بكأس العالم، وكان الجميع يشجعون الأرجنتين.
وصلنا إلى موعد الحفل الموسيقى، وهو لعازف الأورج العالمى ريتشارد اليوت، الذى عزف على الأورج مقطوعات موسيقية غاية فى الإبداع والجمال. وبعد انتهاء الحفل ذهبنا إلى مدينة بارك سيتى التى تحيطها الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج، وقد تم تخصيص مكان للتزلج على الجليد تقام به مسابقات أخطر أنواع التزلج على الجليد المعروفة باسم التزلج هبوطًا من أعالى الجبال والمنحدرات. وكنت أشاهد المتسابقين وهم ينزلون بسرعات رهيبة من أعلى المنحدرات. بعدها قمت بزيارة الشارع الرئيسى بالمدينة الذى تصطف على جانبيه المحلات والمولات المزينة واجهاتها بزينة الكريسماس فى لوحات فنية بديعة ومتناسقة. وفى هذا الشارع يوجد مسرح الذى يسمى بالمسرح المصرى، وبالمناسبة هناك مسرح آخر بنفس الاسم بمدينة لوس أنجلوس. ويعقد بالمدينة كل عام مهرجان للسينما يشرف عليه الممثل العالمى روبرت ردفورد الذى يقيم فى منزل بالمدينة.
فى مدينة بارك سيتى، قام أحد أثرياء المدينة باستضافتى فى منزله المبنى من الزجاج فى مواجهة الجبل. هذا المنزل يحتاج إلى مقالات لوصف جماله وإبداع تصميماته الداخلية والخارجية وقد زرت منازل أكبر منه وقصورًا لملوك وأمراء، لكن هذا المنزل كل ركن فيه بمثابة عمل فنى ثمين. حدثنا ديفيد صاحب المنزل عن أول لقاء مع زوجته وكيف وقع فى حبها من النظرة الأولى وكان ذلك منذ خمسين عامًا ويعتبرها كنزه الحقيقى فى الحياة. تحدث مع الحاضرين عن حياتى وعملى بالآثار ومغامراتى مع الفراعنة. فى نهاية اليوم ذهبنا جميعًا لتناول العشاء فى ناد قريب وكان الطعام جيدًا والصحبة رائعة وكل شىء يبشر بانتهاء يوم رائع مثالى، لولا ما حدث لى أثناء خروجى من النادى، حيث كان هناك درج قصير من ثلاث درجات يتحتم على نزولها، وبمجرد أن وضعت قدمى على الدرجة الأولى حتى انزلقت ووجدتنى أطير فى الهواء وأنزل واقفًا على قدمى ولم أسقط ولكنى شعرت بألم فى قدمى اليسرى.
فى صباح يوم الإثنين، حللت ضيفًا على برنامج «أشياء جميلة فى يوتا» المذاع على قناة إيه بى سى التليفزيونية، واحدة من أشهر القنوات بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد اعتبروا أن زيارتى ووجودى بـ«يوتا» من الأشياء الجميلة التى حدثت عام ٢٠٢٢. وتحدثت عن سحر الفراعنة وعالمهم.
فى المساء، ألقيت محاضرتى بكبرى قاعات محاضرات بالجامعة، تخطى عدد الحاضرين الألف وكان بالنسبة لهم عددًا كبيرًا، لأن المحاضرة جاءت أثناء احتفالات الكريسماس التى فى الغالب تغطى على كل الأحداث.
وفى اليوم الأخير من زيارتى لـ«يوتا»، ذهبت فى زيارة لمصانع الأغذية والمعلبات العملاقة وكذلك مصانع الملابس وكلها يذهب إنتاجها إلى الفقراء وبالمجان. وبعدها تناولت طعام الغذاء فى مطعم بالنصب التذكارى لجوزيف سميث، وهناك تعرفت على العديد من الأشخاص المؤثرين فى المجتمع الأمريكى وولاية يوتا ومنهم رجال بالكونجرس ووزراء جمهوريون فى ولاية جورج بوش الابن.
انتهت زيارتى إلى سولت لاك بولاية يوتا، والتى أعتبرها واحدة من الزيارات المهمة فى حياتى، عرفتنى عن قرب على حياة وثقافة المورمون الذين يجمعهم عشق الفراعنة، وكل واحد منهم يتمنى زيارة مصر مع عائلته. وأتمنى أن تقوم شركات السياحة عندنا بالاهتمام بمثل هذا النوع من السياحة وجذب كل الطوائف إلى زيارة مصر والقرب منها، خاصة أنهم يؤمنون بوجود رابط روحى بها وبآثارها.