بقلم - زاهي حواس
كشفت البعثة السعودية الدولية التي شارك فيها مختصون من هيئة التراث وفريق معهد ماكس بلانك الألماني وجامعة الملك سعود، بالإضافة إلى عدد من الجامعات والمراكز العلمية الدولية المتميزة عن بقايا أدوات حجرية وعظام حيوانية متحجرة. هذه اللقايا الأثرية المهمة تم العثور عليها ضمن طبقات البحيرات الجافة في صحراء النفود شمال غربي المملكة العربية السعودية. وقد عثر في موقع خل عميشان وفي أطراف منطقة تبوك على آثار تعود إلى نحو 400 ألف سنة من ضمنها فؤوس حجرية بالصناعة الآشولية، التي تعتبر أقدم البقايا الأثرية المؤرخة في الجزيرة العربية.
ولقد نشرت مجلة «الطبيعة» العلمية، والأكثر شهرة في العالم في مجال نشر الأبحاث العلمية المتعلقة بالآثار، دراسة تناولت تأريخ عدد من طبقات الرواسب للبحيرات القديمة في موقعي جبة وخل عميشان بالنفود الكبير، وهي تمثل فترات مطيرة مرت بها الجزيرة العربية.
وكشفت الدراسة أن مراحل الوجود البشري المتعددة تحجرت ببقايا أثرية تختلف في سماتها وخصائصها في كل فترة من فتراتها، وذلك يشير إلى اختلاف هذه الجماعات عن بعضها الآخر وظهور صناعات حجرية جديدة تبعاً لكل مدة زمنية.
كذلك أسهمت الدراسة في تحديد الفترات الزمنية ذات المناخ المعتدل، التي سمحت بتوالي الهجرات البشرية من أفريقيا إلى الجزيرة العربية، رغم غياب رواسب الطبقات الكهفية التي تحتفظ عادة بمثل هذه الدلالات الحضارية. كما أظهرت الدراسة العلمية وجود صناعات حجرية آشولية يعود عمرها إلى 200 ألف سنة؛ التي تعد حديثة نسبياً عن مثيلاتها في جنوب غربي آسيا. ويؤكد ذلك على الخصوصية الحضارية للجزيرة العربية وتجهزها بسجلات ثقافية شكلتها الظروف البيئية والحضارية السائدة آنذاك.
وأكدت الدراسة ارتباط هذه المواقع الأثرية بنشاطات صناعة الأدوات الحجرية بدلاً من كونها تمثل مواقع معيشية لأرقام الجماعات البشرية. كما بينت الدراسة التي أجريت على البقايا العظمية الحيوانية وجود عظام حيوان فرس النهر وحيوانات أخرى من فصيلة البقريات على مدى فترات زمنية متعددة، الأمر الذي يؤكد وجود بيئة غنية بالمسطحات المائية والغطاء النباتي الكثيف في شمال الجزيرة العربية، وهو ما يتطابق إلى حدٍ كبير مع الأحوال المناخية السائدة في شمال أفريقيا.
وكذلك تمكن الفريق من تحديد خمس موجات من الهجرات البشرية إلى الجزيرة العربية من قارة أفريقيا.