قد لا يعرف الكثيرون موقع جسر المدير بسقارة؛ وهو الموقع الذي أعلنت منه منذ أسابيع قليلة الكشف الأثرى، الذي لا تزال أصداؤه مدوية في جميع أنحاء العالم، وحصلت مصر على دعاية سياحية تؤكد أن سحرها وعظمة حضارتها والأمن والأمان بها كنوز لا ينافسها فيها بلد آخر. أعلنت أمام الكاميرات التليفزيونية، التي تنتمى لمحطات تليفزيونية محلية وعالمية، خبر العثور على مومياء ذهبية ومقبرتين من عصر الدولة القديمة وأبواب وهمية تحمل أبدع النقوش الهيروغليفية وكذلك مجموعة رائعة من التماثيل، التي تعود إلى عصر بناة الأهرامات حوالى ٤٣٠٠ سنة.
يقع جسر المدير إلى الجنوب من هرم الملك زوسر المدرج؛ حيث تعمل البعثة المصرية، التي أقودها منذ عام ٢٠٠٧ إلى يومنا هذا. وتعود الاكتشافات في هذا الموقع إلى الأسرتين الخامسة والسادسة من الدولة القديمة، والاسم «جسر المدير» أطلقه عمال الحفائر قديمًا على المكان، حيث كانت إحدى البعثات الأجنبية تعمل هناك، ويُطلق على رئيس البعثة لقب مدير، وبالتالى سمى الموقع باسم جسر المدير، بمعنى الموقع الذي يعمل به المدير.
ومن الاكتشافات الأثرية المهمة بجسر المدير ما حققه المرحوم زكريا غنيم منتصف القرن الماضى حين كشف عن هرم الملك سخم خت، أحد ملوك الأسرة الثالثة، ويعود تاريخه إلى ٤٩٠٠ سنة، بعد هرم الملك زوسر، وبالتالى فهو ثانى أقدم هرم من أهرامات مصر. وداخل حجرة الدفن عثر زكريا غنيم على تابوت حجرى مغلق منذ عهد الفراعنة. كان كل شىء يوحى بأن مومياء الملك سخم خت لا تزال راقدة داخل التابوت، فحتى باقة الورود التي وُضعت فوق التابوت كانت لا تزال موجودة في موضعها ولم تُمس منذ يوم الجنازة قبل خمسة آلاف سنة!. دعا زكريا غنيم الصحافة العالمية وجميع وسائل الإعلام المحلية والعالمية للحضور إلى سقارة لمتابعة الحدث الفريد، وهو فتح تابوت الملك المغلق على الهواء مباشرة. وفى اللحظة الحاسمة ضربت الدهشة الجميع، وسيطر الصمت على المكان، الذي يعج بمئات الشخصيات المهمة ورجال الإعلام!. التابوت خالٍ تمامًا ولا يوجد بداخله أي أثر لمومياء!، ولا يزال سر التابوت واحدًا من ألغاز الحضارة الفرعونية.
تعلمت الدرس من زكريا غنيم، حيث اشتركت في حفر مقبرة إيوف- عا في أبوصير مع عالِم الآثار التشيكى ميروسلاف فيرنر، وعثرنا على تابوت ضخم من الجرانيت يزن حوالى عشرين طنًّا، وقمت بالاتصال بالوزير فاروق حسنى، وزير الثقافة في ذلك الوقت، وقلت له: عثرنا على مقبرة كاملة باسم إيوف- عا، ويحمل لقب رئيس القصر الملكى، ويعود تاريخ المقبرة إلى حوالى ٢٥٠٠ سنة، والمقبرة مغلقة بالكامل منذ أيام الفراعنة. فرح فاروق حسنى بالخبر، ووجدها فرصة لمصر يمكن أن تستفيد منها سياحيًّا وثقافيًّا، فأخبرنى أننا سنفتح المقبرة على الهواء مباشرة أمام العالم كله. وعلى الفور ذهبت إلى أبوصير وقلت لـ«ميروسلاف»: دعنا لا نكرر حادثة زكريا غنيم!، فبدأنا مع أفراد البعثة ورئيس العمال في الكشف عن التابوت الأول، ووجدنا داخله تابوتًا ثانيًا ثم ثالثًا، وبعد ذلك وجدنا المومياء، فأعدنا كل شىء إلى مكانه في انتظار حضور الوزير والصحافة.
عودة إلى كشفنا الحديث بجسر المدير، حيث قلت في المؤتمر الصحفى، الذي موله الخبير السياحى العالمى مصطفى لطفى، صاحب شركة دومينانت، إن السبب الرئيسى في اختيار البعثة المصرية لهذا لموقع هو أننا نبحث عن هرم الملك حونى، آخر ملوك الأسرة الثالثة، وقد عثرنا على سور ضخم من الحجر قد يخص هذا الملك، ومازلنا نعمل للكشف عن أسرار هذا السور الحجرى.
أما عن أهم ما أعلنته في المؤتمر الصحفى فكان قصة عثورنا على بئر يصل عمقها إلى عشرة أمتار تحت سطح الأرض، وبعد تنظيف البئر قام العمال بتشغيل الطنبورة لأننى طلبت أن أنزل إلى أسفل البئر، ووضعت قدمًا داخل المقطف والقدم الأخرى خارجه، وأمسكت بالحبل حتى وصلت إلى قاع البئر، وكانت المفاجأة، حيث كشفت عن وجود غرفة مغلقة، وطلبت نزول «الريس عمار»، رئيس الحفائر، ومعه عامل واحد، وكذلك طلبت أن يحضرا معهما العفريتة، وهى آلة حديدية يستخدمها العمال في فتح التوابيت لأننى أيقنت أن هناك تابوتًا داخل الحجرة، وأن هذا التابوت لم يُفتح من قبل، وذلك لوجود السدة التي أغلقت مدخل الحجرة منذ أيام الفراعنة.
بدأ «الريس عمار» والعامل في إزالة السدة التي تغلق المدخل. وهنا لا أستطيع أن أصف شعورى قبل أن أدخل إلى حجرة الدفن، ولكن ما أستطيع قوله هو أننى ظللت صامتًا، وتفكيرى في اللحظة التي سوف أدخل فيها إلى الحجرة!، وفعلًا دخلت، ووجدت أمامى تابوتًا من الحجر الجيرى، يصل وزنه إلى حوالى ٢٥ طنًّا، وعليه غطاء ضخم من نفس الحجر، يصل وزنه إلى خمسة أطنان. وبعد أن قمت بمعاينة التابوت، تأكدت من وجود مونة من الرمل والجير تغلق التابوت والغطاء، ولا تسمح بدخول الهواء إلى داخل التابوت. وبعد ذلك نظرت حول التابوت، ووجدت أن هناك العديد من الأوانى الفخارية والحجرية، التي تعود إلى عصر الدول القديمة، أي أن هذا التابوت مغلق تمامًا منذ حوالى ٤٣٠٠ عام. ولذلك بدأنا في فتح التابوت. كنت أسرد القصة، وأمامى مئات العدسات التليفزيونية والصحافة من كل مكان في العالم، وأعتقد أن أسعد شخص في مصر بهذا الاكتشاف هو الوزير أحمد عيسى، وزير السياحة والآثار، لأن هذا الكشف سوف يعود بلا شك على السياحة لمصر بالخير.
وقبل المؤتمر الصحفى في سقارة بيومين، كان صديقى، الدكتور مصطفى وزيرى، أمين عام المجلس الأعلى للآثار، قد أعلن عن كشفين بالأقصر، أضخمهما الكشف عن مدينة قديمة تعود إلى العصر الرومانى، وتُعتبر أهم وأقدم مدينة بالبر الشرقى للأقصر.
كان «الريس عمار» قد استعد بوضع العفريتة تحت غطاء التابوت، وبدأ في رفعه بهدوء وبطء شديد. وبمجرد أن تحرك الغطاء قليلًا قام بوضع كتلة خشبية لكى يحافظ على المسافة المفتوحة بين التابوت والغطاء، وبعد أن وصل الارتفاع إلى حوالى ٢٥ سم جاءت اللحظة المهمة، حيث دخلت برأسى إلى داخل التابوت، وسلطت نور الكشاف الصغير الذي بيدى لأرى أمامى مومياء كاملة مغطاة بقشور الذهب، وعلى رأس المومياء شريط مكسو بالذهب، وعلى الصدر أيضًا شريط آخر من الذهب، هذه هي المومياء الذهبية، التي أعلنت عنها ودخلت كل بيت في العالم.
بعد ذلك أعلنت الكشف عن مقبرتين تعودان إلى عصر الدولة القديمة، وتحديدًا الأسرة الخامسة وبداية الأسرة السادسة. تخص المقبرة الأولى شخصًا يُدعى «مرى»، وكان يحمل ألقاب «مفتش بتاح سوكر» و«مساعد مدير القصر العظيم» و«كاتم الأسرار». والمقبرة مزينة بنقوش ومناظر تعكس الحياة اليومية في عصر الأسرة الخامسة. وتعود المقبرة الثانية إلى شخص يُدعى خنوم جد اف، وكان كاهن المجموعة الهرمية للملك ونيس، وحمل لقب «المشرف على النبلاء». وعثرنا على العديد من الأبواب الوهمية الرائعة، التي تدل على أن هناك المزيد من المقابر، التي سوف يتم الكشف عنها قريبًا في مواسم الحفائر القادمة.
وأهم ما تم الكشف عنه وأعلنته في المؤتمر الصحفى كان الكشف عن مجموعة من التماثيل الرائعة، وعددها تسعة، بعضها يصور رجلًا واقفًا وبجواره زوجته تحتضنه بذراعيها بحب وحنان، وتمثال آخر لرجل بجواره ابنته، وتمثال آخر لأب وابنته، وهى تجلس بجوار ساقه، وتمثال لأب وطفله، وتمثال خادمة في وضع القرفصاء، وأجمل هذه التماثيل تمثال لإحدى الخادمات، وهى تقوم ببسط العجين باستخدام النشابة، أو ربما تقوم بجرش وطحن الحبوب، وأنا أميل إلى الرأى الأول. ومن الغريب أن التماثيل التسعة عُثر عليها مدفونة في الرمال، التي لا تزيد على ١٠ سم تقريبًا، وهذا شىء غريب جدًّا. ولكن منذ شهر تقريبًا، عثرنا في نفس المنطقة التي بها التماثيل على باب وهمى منقوش بأسلوب جميل، وصاحبه اسمه مسى. وهذا يؤكد أن التماثيل والباب الوهمى جاءت من مقبرة تم فتحها في العصور القديمة، وتناثرت التماثيل والباب الوهمى. وذكرت أمام الصحفيين أن التمثال الذي يسمى بتمثال الخادمة لا يمكن أن يخص خادمة، إنما هو لربة منزل تقوم بأعباء بيتها؛ حيث لن تقبل أي زوجة وجود خادمة جميلة بهذا الشكل داخل بيتها!، وعندما ذكرت أن التماثيل تخص شخصًا يسمى «مسى» ضجت القاعة بالضحك لأن البعض اعتقد أنها تخص لاعب كرة القدم الأرجنتينى ليونيل ميسى!.
بدأ يكتب لى البعض أن هذا الاسم ليس مسى، بل هو مسى حى، ولكن هناك اثنين من الأبواب الوهمية أحدهما يخص مسى والآخر يخص مَن يسمى مسى حى، ومَن يريد أن يتأكد من ذلك يمكن أن يأتى إلى موقع الحفائر بسقارة ليرى بنفسه.
أما عن آخر الاكتشافات فهو العثور على بئر للدفن بعمق حوالى ٦ أمتار تقريبًا، وبجوارها بئر أخرى تعود إلى نفس العصر، وبداخلها مجموعة تماثيل من الخشب، للأسف، في حالة سيئة جدًّا من الحفظ، وجارٍ ترميمها الآن. وقد عثرت في قاع البئر على ثلاثة تماثيل مدفونة في الرمال، وبعد تنظيفها، اتضح أنها تمثل شخصًا واحدًا، يُدعى «فتك»، وبجوارها كشفت عن مائدة قرابين ملونة، وتابوت من الحجر الجيرى، تم فتحه لنكتشف أن مومياء صاحبه ترقد داخله في سلام منذ آلاف السنين.
هذه هي الاكتشافات التي أبهرت العالم، ودخلت أخبارها كل بيت حول العالم، وأذاعتها قناة CNN وبرنامج Today’s Show الشهير في الولايات المتحدة الأمريكية. وأنا سعيد جدًّا أن هذه الاكتشافات تؤكد للعالم كله أن مصر آمنة، وأنها ستظل البلد الذي يبهر العالم بحضارته العريقة الساحرة.