بقلم - زاهي حواس
تشير أعمال المسح الأثري، التي تتم في موقع شعب الأدغم شرق منطقة القصيم، إلى ظهور آثار مهمة تعود إلى أكثر من 200 ألف سنة. وتشير صور الأقمار الصناعية إلى أن تلك المواقع تقترن بمجاري الأنهار، وهذا يؤكد أن الإنسان القديم في الجزيرة العربية استخدم الأنهار للوصول إلى عمق المناطق الداخلية في الجزيرة العربية، ويعدّ هذا التوزيع المكاني واسع النطاق للمواقع الآشولية واحداً من أكبر التوزيعات المعروفة على مستوى العالم، وهذا ما يؤكد أن الجماعات البشرية في الجزيرة العربية كانت قادرة على التنقل لمسافات جغرافية واسعة، حيث تدل كثرة المواقع المتميزة حول الأودية والأنهار القديمة على أن تلك الجماعات كانت تنتشر تدريجياً وتكشف المواقع حسب الحاجة.
وقد تميزت هذه المواقع بانتشار كسر الشظايا الحجرية والأدوات المصنعة، وقد أسفرت أعمال المسح عن تراكم كثيف للأدوات الحجرية السطحية، وهو ما يشير إلى احتمال وجود آلاف من الأدوات الحجرية المدفونة في باطن الأرض.
وقد جمع الفريق الأثري السعودي كمية هائلة من المعلومات البيئية والثقافية الجديدة. وأظهرت النتائج أن هناك تغييرات كبيرة في البيئات تتراوح ما بين القاحلة للغاية والرطبة، وتؤكد الأدلة الحالية وجود الجزيرة العربية الخضراء مرات عدة في الماضي، وخلال المراحل الرطبة، وأن هناك الكثير من الأنهار والبحيرات في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، الأمر الذي أدى إلى انتشار وتوسع تلك الجماعات البشرية، وأنها كانت أحد أماكن الاستيطان قديماً في فترة العصور الحجرية.
ويعتقد أن الهجرات القديمة لتلك الجماعات البشرية كانت تتم عبر ممرين رئيسيين؛ هما مضيق باب المندب، وممر شبه جزيرة سيناء، ونظراً لأهمية هذا الجانب، فإن هيئة التراث السعودية تقوم بعمل مزيد من الدراسات البحثية المركزة لكشف مزيد من الحقائق الأثرية الجديدة التي تثبت أن الجزيرة العربية كانت من أهم مواقع الاستيطان لتلك الجماعات البشرية التي عاشت في فترة العصور الحجرية.
وتدل الدراسات أيضاً على أن الظروف المناخية في الجزيرة العربية كانت مناسبة جداً لعيش تلك الجماعات البشرية والاستفادة من الموارد الطبيعية المتوفرة فيها، وتدل كثافة الأدوات الحجرية على قدم وجود الجماعات البشرية واستيطانها واستمرارها لآلاف السنين.