بقلم - زاهي حواس
كعادتي لا أحب الوصول إلى المطارات مبكراً وأفضل دائماً الوصول قبل زمن إقلاع الرحلة بأقل وقت ممكن تسمح به شركات الطيران! وهذه المرة كنت في طريق عودتي إلى مصر قادماً من مدينة فلاج ستاف بولاية أريزونا الأميركية بعد إلقاء عدد من المحاضرات العامة، ومتنقلاً بين ثلاثة مطارات في أميركا وأوروبا ومن خلال ثلاث رحلات طيران استغرقت نحو اليومين بحساب فرق التوقيت بين البلدان! ولكي أصرف ذهني عن التفكير في مشاق السفر، دائماً ما أصطحب معي «عدة السفر»، وهي: كتاب جديد أريد قراءته، قلم وأوراق لكتابة إما مقالات أو جزء من كتاب جديد أقوم بتأليفه، هاتفي النقال والآيباد الخاص بي، وعليه أحفظ كل محاضراتي وكتبي ومقالاتي، وكذلك جزء من مكتبتي الإلكترونية. ومع الوصول إلى المطار أبدأ في استغلال أي وقت إما للكتابة أو القراءة أو مطالعة الأخبار أو النوم لبعض الوقت أثناء الرحلة.
وقد حدث بعد أن فرغت من قراءة فصل كامل من الكتاب الذي أحمله معي، أن بدأت أتصفح أخبار الاكتشافات الجديدة بكل أنحاء العالم ولفت نظري وجود «برومو» بعنوان هيئة التراث في المملكة العربية السعودية، والمعلومة المكتوبة بجوار الرابط الخاص بالبرومو تقول: «إنجازات هيئة التراث خلال النصف الأول من هذا العام». وبالطبع بمجرد الضغط على الرابط توالت الصور والمقاطع المصورة وبسرعة محسوبة، بحيث ما تكاد العين تدرك الصورة بأبعادها حتى تنتقل إلى أخرى وبمصاحبة موسيقى تبدو كما لو كانت تلهث للحاق بالصور والمقاطع المصورة. لم يستغرق البرومو سوى دقيقتين ونصف الدقيقة، ولكن وبشكل رائع جذاب عرض مجهودات كبيرة لهيئة التراث تكفي لطباعة مجلد فخم يحتويها.
وبالبحث وجدت أن هيئة التراث نشرت هذا البرومو أو فلنقل هذا الفيديو التشويقي في بداية شهر أغسطس (آب) الماضي، وذلك عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، ومن خلال قنواتها الرسمية على شبكات التواصل الاجتماعي للتعريف بما تم إنجازه في مجال الاستكشافات الأثرية والتوثيق الأثري والورش التدريبية والندوات التثقيفية والمبادرات والمسابقات التراثية التي أطلقت لجذب المشاركة المجتمعية والتعريف بالتراث وأهمية الحفاظ عليه، كما تم استعراض جهود الحفاظ على التراث الأثري من مواقع أثرية وقطع أثرية وتراث عمراني وتراث ثقافي من حرف وصناعات يدوية، وغير ذلك الكثير.
كل ذلك تم استعراضه في أقل من ثلاث دقائق كما قلت، ولكن المعلومة وصلت وبشكل احترافي ممتاز يستحق أن نهنئ الذين قاموا على تنفيذ وإخراج هذا العمل وكل الفرق العلمية والباحثين الذين ظهروا وهم يعملون بأيديهم من أجل حفظ التراث السعودي.
وإلى جانب الصورة المعبرة والصادقة استوقفني مشهدان؛ الأول لباحثة سعودية تقوم بأعمال التنقيب بالفرشاة داخل مساحة ضيقة من موقع أثري وبكل تركيز وحرفية في مشهد، بحق يقول إن مستقبل التراث السعودي آمن، طالما هو في أيدي هذه السواعد الشابة الأمينة من الباحثين والباحثات بهيئة التراث. أما المشهد الثاني فهو لطفلة صغيرة لا يتعدى عمرها عشر سنوات ترتدي الزي الأثري المناسب لأعمال الحفائر الأثرية وتقوم بالكشف وتنظيف قطعة أثرية مقلدة، وذلك خلال ورشة تدريب للأطفال. المهم أن ملامح الجدية والتركيز على وجه هذه الطفلة الصغيرة لا تدع مجالاً للشك أنه سيكون لدينا في المستقبل أجيال وأجيال تعشق العمل الأثري وستبدع في الحفاظ على التراث السعودي، ولذلك فكل التحية والتقدير لهيئة التراث بعلمائها وباحثيها.