توقيت القاهرة المحلي 03:30:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحاج أحمد يوسف

  مصر اليوم -

الحاج أحمد يوسف

بقلم: زاهي حواس

قد لا يعرف أحد هذا الاسم، ولكنه عبقري زمانه، فقد استطاع أن يرمم مركب الملك خوفو، الذي تعرض حالياً داخل متحف جنوب الهرم، وسوف ينقل إلى المتحف المصري الكبير. وقد عرفت هذا الرجل العظيم عندما وصلت إلى مكتبي بمنطقه الهرم عام 1973، وقد سمعت عن الحاج أحمد في قصص وحكايات غير قليلة، ترفعه إلى العلا، وتجعله أعظم مرمم في العالم العربي، لذلك فقد تركت مكتبي وذهبت إلى الاستراحة التي يقيم فيها هذا المرمم العظيم، وكانت عبارة عن موقع رائع على إحدى حوافّ هضبة الجيزة يعيش فيها كراهب في محراب العلم.
وعندما قابلته، وجدت أنه رجل ذو وجه بشوش، ورحّب بي بحرارة رغم صغر سني. وانتابني الفرح لأن الرجل أعطى لي هذا الاهتمام، وعندما قال: «خير أنا تحت أمرك» قلت له: «أنا المفتش الجديد». وكانت هذه أول مقابلة لي مع هذا العظيم، وبعد ذلك صار صديقاً لي، وكنت أزوره وأجلس معه يومياً، فقد تعلمت منه كثيراً، فكان كالنهر تستطيع أن تنهل منه من دون أن يجف، وكان لهذا الرجل كثير من المهارات، فهو يقوم بالتصوير والتحميض داخل معمل صغير في الاستراحة، وكان نجاراً فريداً من نوعه يُخرج تحفاً رائعة، مثل تلك التي أنتجها زميله الفنان المصري القديم. وكان مرمماً لا مثيل له، ولن تنجب مصر رجلاً يضاهيه، فقد كان رجلاً ذا أيادٍ ذهبية تعرف أن تعيد التماثيل إلى حالتها، والعقود إلى جمالها، والخشب إلى حالته الطبيعية، هذا بالإضافة إلى أنه كان يستطيع تقليد الآثار بطريقة يصعب معها التفريق بين المقلد والحقيقي. وهناك قصص شهيرة استطاع أن يكشف فيها عن قلة علم بعض العاملين في مجال الآثار.
ما أعجبني في هذا الرجل هو شخصيته، فكان قوي الشخصية، يحترم نفسه كثيراً ولا يخاف من أحد، ولا يقبل أوامر من أي إنسان. وكان يعمل في ذلك الوقت في ترميم مركب خوفو، وكان يقيم في الهرم بصفة دائمة، ورغم إنهاء ترميم المركب فلم يكن مفتوحاً للزيارة. وكان يحضر كثير من الشخصيات لزيارة المركب، وعندما كان يحس الحاج أحمد أن الزائر لا يحترم الأثر، كان يرفض فتح المكتب، وحدثت أزمات كثيرة بسبب ذلك، وكان الراحل جمال مختار، رئيس الآثار في ذلك الوقت، يقول: «أنا لا أستطيع أن أفعل شيئاً تجاه الحاج أحمد، لأنه لو ترك المركب فلن نجد شخصاً واحداً في العالم يستطيع أن يكمل هذا العمل الجبار».
وقابل الحاج أحمد ملوكاً وملكات، وكان يشرح باللغة العربية، وكنت أقوم بالترجمة، وهو الذي قدّمني للراحل العظيم كمال الملاخ، الكاتب الذي استطاع أن يجعل القارئ يقرأ «الأهرام» من الصفحة الأخيرة، وهو مكتشف هذه المراكب، وصرت صديقاً للاثنين، ولكن كانت تحدث أزمات كثيرة بينهما. وسافر إلى أميركا لإلقاء محاضرات، وأطلقوا عليه اسم الفرعون المصري، بل قالوا في أميركا إن هذا الرجل من سلالة الفراعنة، لأنه الوحيد الذي يستطيع أن يعيد آثار الفراعنة إلى حالتها الأولى، وعندما جاء إلى مصر أشهر صانع سفن في العالم قال عن الحاج أحمد: «إن لديكم كنزاً بشرياً لا يتكرر كثيراً، ويجب أن تحافظوا عليه، وهذا الكنز لو في بلد آخر لسجلوا كل كلمة وكل عمل له، حتى يورث للأجيال القادمة، إنه معجزة!». وقد استطاع أن يرمم المركب المفكك، الذي وصل عدد أجزائه إلى 1224 قطعة، وأطول قطعة وصلت إلى 23 متراً. وإذا دخلت في تفاصيل عملية الترميم فسوف تعرف مدى الجهد والصبر الذي تحمله هذا الرجل العظيم في إعادة المركب إلى حالته الطبيعية. وسوف يعرف القارئ قيمة هذا الرجل إذا قام بزيارة متحف مراكب الشمس الذي يقع جنوب هرم الملك خوفو.
هذه كلمات في حقّ رجل غادر هذا العالم...

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحاج أحمد يوسف الحاج أحمد يوسف



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا
  مصر اليوم - ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 04:30 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

قائمة الفائزين بـ"جوائز الكرة الذهبية" 2024
  مصر اليوم - قائمة الفائزين بـجوائز الكرة الذهبية 2024

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة
  مصر اليوم - أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 19:05 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
  مصر اليوم - حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 06:45 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

أبرز فوائد فيتامين " أ " على صحة الجسم والمناعة

GMT 09:47 2020 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

عبد المهدي يتخلى عن معظم مهامه الرسمية

GMT 04:22 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ريم مصطفى تؤكد أن مسلسل "شديد الخطورة" تجربة مختلفة

GMT 07:44 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

سامي مغاوري يتحدى ابنه في "واحد من الناس" مع عمرو الليثي

GMT 21:05 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصرية تطلب الخلع من زوجها وتتفاجئ من رد فعله

GMT 18:29 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخص وإصابة اثنين فى حادث تصادم بالدقهلية

GMT 19:21 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

بوسى برفقة حلا شيحة فى أغرب إطلالة لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon