بقلم: زاهي حواس
من خلال زياراتي للمملكة العربية السعودية أجد أن الملك عبد العزيز اسمه منقوش بتاريخ المملكة، ويتحدث عنه الناس بعشق شديد. وقد تم العثور على مخطوطة أثارت اهتمامي؛ لأن هذه المخطوطة تظهر عشق الملك عبد العزيز لمصر والمصريين، وتسمى «الرحلة الملكية السعودية إلى مصر»، وتسجل الزيارة المهمة والتاريخية التي قام بها الملك إلى مصر. وقد جاءت هذه المخطوطة عندما أمر الأمير ناصر بن عبد العزيز أمير الرياض بأن يقوم عبد الحميد مشخص بكتابة هذه اليوميات عام 1365هـ، واستطاع أن يجمع هذه المعلومات من خلال دراسة دقيقة من قصاصات الصحف والمجلات التي تحدثت عن هذه الزيارة.
وتقع المخطوطة في نحو 270 ورقة ومحفوظة الآن في مكتبة جامعة الملك سعود لتصبح وثيقة مهمة جداً في الحب الذي يجمع بين الشعبين السعودي والمصري، وكيف أن ملكي السعودية ومصر في ذلك الوقت كانت لهما اليد الأولى في استمرار هذا الحب في كل المشاهد التي نراها بين البلدين.
والمخطوطة تبدأ بسفر بعثة الشرف المصرية من السويس إلى جدة. وكان من ضمن أعضاء البعثة عملاق الأدب الأستاذ عباس محمود العقاد. واستقبلهم الملك عبد العزيز وأخوه عبد الله. وبعد ذلك، سار الملك على السفينة المحروسة مع الوفدين المصري والسعودي.
وتحدثنا المخطوطة عن حياة الملك عبد العزيز داخل المحروسة. ولقد ألقى الأستاذ العقاد قصيدة مدح أمام الملك. وبعد ذلك، وصلت السفينة إلى السويس وكان في استقبالهم الملك فاروق.
وقد استقل الملكان القطار إلى القاهرة، وشاهدا الأعلام والأفراح والزينة في كل مكان تستقبل العاهل السعودي. واستقبل الشعب الملك عبد العزيز استقبالاً ليس له مثيل، وقام أهالي القاهرة بالتبرع بمبلغ نصف مليون جنيه لعمل الاحتفالات والاستقبالات والزينة في كل مكان بالقاهرة. أما الموكب الملكي فقد تحدثت عنه الصحف، وكانت أصوات الناس تجلجل في الشوارع مرحبة بالملك. وقد نزل الملك في قصر الزعفران، وكان معه أنجاله، لكن بقية الوفد السعودي نزل في فندق الكونتيننتال. ومن كرم الضيافة، قرر الملك فاروق أن يعطي أوسمة لأبناء الملك عبد العزيز والأمير عبد الله بن عبد الرحمن الوشاح الأكبر من نيشان إسماعيل. أما حفل العشاء الملكي، فقد أُقيم بقصر عابدين وبعد ذلك صلى الملكان الجمعة في الجامع الأزهر.
في مساء اليوم التالي، أقام محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء مأدبة عشاء للملك عبد العزيز، وألف الأستاذ عباس العقاد قصيدة تحية للملكين. وفي اليوم الثالث، قام الملكان عبد العزيز وفاروق بزيارة جامعة الملك فؤاد. وكان رئيس الجامعة في ذلك الوقت هو د. مصطفى مشرفة، وقدم للملك عبد العزيز مجموعة جميلة من الكتب عن الفلسفة الإسلامية، وبعض الدواوين الشعرية، وبعض الكتب عن التواريخ والأحداث. وبعد ذلك، أقام الطلاب عرضاً رياضياً أمام الملكين، ثم كانت هناك مأدبة غداء بقصر عابدين. وفي المساء، أقام الملك فاروق مأدبة عشاء بقصر الزعفران الذي كان يقيم فيه الملك عبد العزيز.
وفي يوم آخر، حضر الملكان سباقاً للخيل في مصر الجديدة، وأهدى الملك عبد العزيز ساعة ذهبية منقوشاً عليها اسمه لكل فائز. أما أجمل ما قُدم للملك، فكان عرض عسكري ضخم شارك فيه نحو 36 ألف جندي، وسجل الحفل الآلاف من الصحافيين والمصورين. وقد شاهد الملك مدفعاً مضاداً للطائرات، وقد لاحظ وجود آلة جديدة به لم يرها من قبل، وقالوا له إنها اختراع حديث لأحد ضباط سلاح المدفعية المصرية، وصمم الملك على أن يقابل الملازم حلمي عفيفي أفندي ليعرف منه سر الاختراع.
وللحديث بقية.