بقلم :زاهي حواس
سوف يحتفل العالم كله قريباً بافتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يعتبر أهم مشروع ثقافي في العالم في القرن الواحد والعشرين، والذي سوف تُعرض فيه آثار توت عنخ آمون على أعلى مستوى من العرض المتحفي. ونقترب من مرور 100 سنة على كشف مقبرة توت عنخ آمون. وسوف يحتفل العالم كله بهذا الحدث العظيم؛ لذلك يجب أن نقدم لكم أحد الرجال الذين كانوا سبباً في هذا الكشف العظيم، وهو اللورد كارنارفون. لقد سافر اللورد كارنارفون لأول مرة إلى مصر عام 1898 بعد أن قام فيكتور لوريه بالكشف عن خبيئة المومياوات الثانية بمقبرة الملك «أمنحتب الثاني» بوادي الملوك. وهذه المقبرة معروفة برقم KV35، وكان العثور على هذه الخبيئة المختفية خلف جدار منقوش من جدران المقبرة حدثاً فريداً ومهماً. وكما كان العثور على 13 مومياء معظمها لملوك داخل هذه الخبيئة إشارة واضحة تؤكد أن الفراعنة لا يزال لديهم الكثير من الألغاز والأسرار التي على رجال الآثار حلها.
وبدأ اللورد كارنارفون منذ عام 1906 في قضاء معظم فصل الشتاء في مصر، وبخاصة بعد أن نصحه الأطباء بالابتعاد عن الأجواء الرطبة والعيش في بيئة جافة؛ فكانت مصر هي الحل الأمثل له. وأثناء وجوده في مصر، استطاع أن يحصل على تصريح بالحفر عن الآثار بالأقصر، وظل يمول الحفائر لمدة 16 عاماً، وكانت أغلب أعمال الحفائر التي يمولها تتم في الأقصر بوادي الملوك وبمقابر النبلاء. وكان اللورد كارنارفون معروفاً في ذلك الوقت بأنه يحصل على نسبة تصل إلى 50 في المائة من الآثار الناتجة من حفائره، بالإضافة إلى أنه كان يشتري الآثار من السوق، وبهذا استطاع تكوين واحدة من أكبر وأهم المجموعات الأثرية الخاصة في العالم كله، حتى إن البعض اعتقد أن ما لديه من آثار يفوق ما هو موجود بالمتحف البريطاني، بل إن هناك قطعاً فريدة داخل المجموعة ليس لها مثيل.
وقد قابل كارنارفون هيوارد كارتر، واقتنع بتمويل حفائر البحث عن المقبرة الملكية المفقودة، وظل يموّل هذه الحفائر لمدة 4 سنوات، وفي العام الخامس، تردد اللورد كارنارفون، وأشار إلى كارتر بضرورة وقف أعمال البحث؛ لأنه ليس هناك جدوى، وأن المقبرة لن يتم كشفها، ولكن كارتر كان مصمماً على استكمال العام الخامس، حتى ولو على حسابه الخاص. وعندما وجد اللورد كارنارفون تصميم كارتر على العمل في الوادي، وافق على أن يكون هذا العام هو العام الأخير. وكانت المفاجأة أن تم الكشف عن مقبرة الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون» في هذا العام.
وحضر اللورد إلى الأقصر لرؤية الكشف الرائع مصطحباً معه ابنته إيفلين التي وقعت في غرام هيوارد كارتر. وقام اللورد بإعطاء حق نشر أخبار الكشف الأثري المذهل إلى جريدة «لندن تايمز» فقط، وحرم الصحف الأخرى من هذا الحق، وكان ذلك نتيجة عائد مادي ضخم. وحاول اللورد كارنارفون وهيوارد كارتر الحصول على نسبة من آثار المقبرة، ولكن قوبل طلبهما بالرفض؛ لأن القانون المصري في ذلك الوقت لم يكن يسمح بقسمة المقبرة التي تُكتشف سليمة وآثارها كاملة، ولذلك فقد حاول كارنارفون أن يسرق آثاراً من المقبرة، ولا نعرف هل تم ذلك بعلم هيوارد كارتر أم من دون علمه.
ومات اللورد كارنارفون بعد الكشف عن المقبرة بخمسة أشهر فقط، وكان لموته صدى كبير في ظهور ما يطلق عليه اسم «لعنة الفراعنة»، وجعلت السينما العالمية تخرج أفلاماً سينمائية عن لعنة الفراعنة. وقامت أرملته بعد موته ببيع أغلب الآثار الموجودة بالقلعة إلى متحف المتروبوليتان في نيويورك حتى تستطيع سداد تكاليف الوفاة. وقام هيوارد كارتر بتسجيل هذه الآثار، وأعلن أنه قد ترك بعد ذلك بعض القطع غير المهمة داخل القلعة، وهذا غير صحيح؛ لأن هناك إناء من الألباستر، ولوحة «أخناتون» تعتبر من الآثار المهمة التي لا تزال موجودة داخل القلعة، وهناك قطع أثرية أعارتها أسرة اللورد كارنارفون إلى المتحف البريطاني، وكذلك إلى متحف نيوبري بإنجلترا، وهناك قاعة الآن مليئة بالتماثيل والأواني الجميلة، وتابوت خاص بسيدة نبيلة يعود تاريخه إلى نحو 3500 سنة.
وقد بدأت معركة مع أسرة اللورد كارنارفون للمطالبة بعودة هذه الآثار إلى مصر. ولا أعتقد أن حفيد اللورد يستطيع أن يثبت خروج هذه الآثار من مصر بطريقة قانونية.