بقلم: زاهي حواس
نحفر عن الآثار بين الرمال ووسط المنازل وفي مياه البحر المتوسط ولم يتصور أحد أننا يمكن أن نحفر في نهر النيل، ولم يأتِ مشروع انتشال الآثار الغارقة في نهر النيل بين يوم وليلة، ولكنه بعد الدراسات والأفكار الكثيرة كان هناك فكرة أن يمول هذا المشروع أحد الأثريين الأجانب، ولكننا فضلنا أن يكون ذلك العمل مصرياً خالصاً والتمويل مصرياً. وما دفعنا إلى التفكير في هذا المشروع هو كمية الأحجار من كل الأنواع التي نقلت على مدار التاريخ الفرعوني لعمل التماثيل والمعابد والأهرامات والتي نقلت عن طريق النهر العظيم.
وهذا النهر هو الموقع الأثري الوحيد في مصر الذي لم يتم الكشف عنه بعد، وخاصة أنه كان الشريان الأساسي لعمليات نقل كتل الآثار الضخمة من المحاجر إلى المواقع الأثرية المختلفة خلال العصر الفرعوني، وأعتقد أن عملية نقل هذه الكتل الضخمة هي أحد أهم الأعمال التي تقابل الأثريين، ولنا أن نتصور أن هناك مسلات من الجرانيت التي تزن حوالي 400 طن تم نقلها عن طريق النيل، بالإضافة إلى تمثال ممنون الذي يزن 750 طناً والموجود حالياً أمام معبد الملك أمنحتب الثالث بالبر الغربي من الأقصر، بالإضافة إلى تمثال الملك رمسيس الثاني الموجود بمعبد الرمسيوم بالبر الغربي ويزن 1000 طن من الجرانيت، وتمثال آخر للملك نفسه الموجود داخل متحف ميت رهينة، بالإضافة إلى التمثال الذي نقل في 25 أغسطس (آب) من حوالي 12 عاماً من محطة رمسيس إلى موقع المتحف المصري الكبير والذي يزن 83 طناً.
وهناك أعمال أخرى من تماثيل ولوحات وتوابيت، ولنا أن نتخيل تلك الأوزان على مراكب خشبية نيلية، وقد يعتقد البعض أن هذه الآثار لا يمكن نقلها، وهذا خطأ؛ لأن المصريين القدماء كانوا بارعين في عملية نقلها، وكانوا على دراية بتشريح الحجر، ويمكن أن نرى اليوم أحد الحجارة وهو يقطع الحجر إلى نصفين وزنه 8 أطنان عن طريق معرفة تشريح الحجر. وأعتقد أن الفراعنة قد مروا بالعديد من تجارب الفشل حتى وصلوا إلى طريق النجاح، وهناك العديد من المشروعات الهندسية الناقصة مثل المسلة الناقصة بأسوان، والعديد من التماثيل والألواح والأعمدة الناقصة، وهناك أيضاً نظريات حول تعلم الفراعنة من أخطائهم في عملية تحميل ونقل وإفراغ تلك الكتل الحجرية الضخمة خلال الرحلة النيلية، وهذا ما يجعلهم بعد الوقوع في الخطأ أن يعرفوا أسلوب النقل الصحيح.
ونحن نعرف أن نهر النيل لم يتحول منذ العصور الفرعونية، بل قام بإضافة قنوات موازية للنيل مثل القناة التي قطعها موازية للنيل العظيم أمام الأهرامات، أي أن هذه القناة قد تكون من ميدوم حتى أبو رواش، وذلك لنقل الأحجار عن طريقها مع إضافة قنوات منها لتصل إلى الأهرامات، وقد كشفنا بمنطقة الجيزة عن أدلة للميناء الذي كان يخدم هرم خوفو وآخر لخفرع وقد بدأت عملية النقل داخل نهر النيل من أسوان حتى كوم أمبو، وهي المنطقة التي كان يوجد بها العديد من محاجر الديوريت من النوبة والجرانيت من أسوان والحجر الرملي من محاجر جبل السلسلة، وهناك في مصر الوسطى محاجر الألباستر والحجر الجيري الأملس من طرة والبازلت من الفيوم. أما موضوع البحث عن الآثار في النيل فهذا موضوع آخر.