بقلم - زاهي حواس
تبهرني دائماً آثار المملكة العربية السعودية؛ ذلك أن صخور ورمال السعودية لا تزال تعتبر بكراً لم تكشف كل أسرارها بعد. والحقيقة أن هناك جهوداً عظيمة تقوم بها هيئة التراث، وتشارك فيها جهات علمية عديدة من داخل المملكة العربية السعودية لاكتشاف التراث الأثري الثري للمملكة والتعريف به. وقد زرت مواقع عديدة نالت حظها من التطوير، وبخاصة في منطقة حائل. والتطوير ليس في مجال الآثار فقط بل حتى الطرق المؤدية إلى المواقع الأثرية، والحياة الثقافية بشكل عام، وكل ما يرتبط بشكل مباشر وغير مباشر بالأثر، منظومة متكاملة يتم تطبيقها بالسعودية، حتى أنك تحس أن هذا العمل يتم من خلال مخطط واحد شامل للقرى والمدن.
وهناك العديد من الاكتشافات المثيرة التي تعود إلى عصر ما قبل الإسلام تمت من خلال عمل البعثات السعودية والأجنبية المشتركة للكشف عن أسرار آثار المملكة.
وقد أعلنت هيئة التراث بالرياض عن كشف أثري هام جداً بموقع العبلاء الأثري بمنطقة عسير، وجاء ذلك من خلال أعمال الحفائر الأثرية التي تمت بالموقع للموسم السابع لعام 2023. وقد تم الكشف عن عناصر معمارية لوحدات سكنية ومرافق صناعية تتميز بعض جدرانها وأرضيتها بطبقة من الجص؛ حيث تعد امتداداً لما تم الكشف عنه في موسم الحفائر العلمية الست السابقة بالموقع ذاته. وقد جاءت هذه الاكتشافات لتبرز لنا أهمية موقع العبلاء بوصفه موقعاً تعدينياً من أهم المواقع التعدينية التي تقع في جنوب المملكة.
وقد كشف الفريق العلمي الذي يعمل بالموقع عن خزانات مائية صنعت تحت بعض الوحدات المعمارية في الموقع، وكان الغرض منها هو تخزين مياه الأمطار والاستفادة منها، وتعتمد هذه التقنية على بناء أسطح المنازل بطريقة تسمح بتوجيه مياه الأمطار ونقلها عبر قنوات حجرية مخصصة، أو من خلال قنوات من الفخار لتصل إلى الخزانات أسفل الغرف للاستفادة منها وقت الحاجة. بالإضافة إلى الكشف عن أحواض مائية ذات شكل بيضاوي مطلية من الداخل بمادة عازلة تسمح بحفظ المياه والاستفادة منها، إلى جانب عدد من المواقد الفخارية. وفيما يتعلق باللقى الأثرية فقد عثر على عدد كبير من الأدوات الحجرية تتمثل في مدقات ومساحق ومجموعة من الرحى المختلفة أحجامها وأشكالها، إضافة إلى العديد من الفخار المزجج والزجاج والحجر الصواني، وأجزاء لأبدان وحواف ومقابض لأدوات فخارية وحجرية وزجاجية مختلفة الأحجام. وكان من أبرز ما عثر عليه من اللقى الأثرية في الموقع قنينات زجاجية صغيرة الحجم، وقطع معدنية عبارة عن مسامير حديدية وأجزاء من أوانٍ برونزية متآكلة، وخواتم، ومجموعة من الحلي المختلفة في أحجامها وألوانها، والتي تمثل خرزاً من العاج والأحجار الكريمة.