بقلم - زاهي حواس
تعتبر النقوش الصخرية مرجعاً مهماً لتاريخ أي أمة. وتعد نقوش منطقة حائل مصدراً مهماً جداً وتاريخاً للمنطقة، من حيث كونها تسجل النواحي الدينية والاجتماعية لمن عاشوا في المكان وبالقرب منه، خلال العصور التي نفذت فيها تلك النقوش. ولقد حالفني الحظ في السفر مع مجموعة من الزملاء الخبراء من «هيئة التراث» بالمملكة العربية السعودية إلى المنطقة الأثرية بحائل، لزيارة المعالم الأثرية، والوقوف على ما يتم من أعمال مسح وتسجيل وتنقيب وترميم، بإشراف علماء «هيئة التراث» بالمملكة، وفي حقيقة الأمر فإن ما يتم من أعمال علمية، تستحق منا الإشادة بها والتشجيع على الاستمرار في تنفيذ هذا المخطط الطموح الذي وُضع لإدارة تراث المملكة العربية السعودية والحفاظ عليه.
تعد مواقع النقوش الصخرية في جبة والشويمس بمنطقة حائل من أكبر المواقع الأثرية التي تغطيها أعداد هائلة من النقوش والرسومات الصخرية، والتي نفذت عن طريق الحز والحفر الغائر. وتمثل تلك النقوش مظهراً حضارياً، التي نفذت بأيدي فناني تلك العصور، عن مجتمعاتهم وأنشطتهم اليومية وممارساتهم الدينية والاجتماعية، وكيفية تفاعلهم مع البيئة المحيطة بهم. ولهذا تعد نقوش جبة والشويمس متحفاً مفتوحاً يرصد جزءاً من تاريخ البشرية في مكان ونطاق جغرافي وزمني معين. ويتميز الموقع بتفرده؛ ليس فقط من الناحية التاريخية والأثرية، بل من حيث القيمة الجمالية والفنية أيضاً.
لقد أكدت الدراسات الأثرية، التي تناولت هذه النقوش الصخرية، أن معظمها يعود للعصر الحجري الحديث – أربعة عشر ألف سنة قبل وقتنا الحاضر.
وتصور النقوش الصخرية أشكالاً أدبية في صورة أنشطة مختلفة، كالاحتفالات الدينية الجماعية، أو المعارك الحربية والمبارزات الثنائية، وصوراً للحيوانات التي استأنسها إنسان ذلك العصر في شبه الجزيرة العربية، وتلك الحيوانات البرية التي كان يصطادها؛ ومنها البقر الوحشي والوعول والغزلان والنعام والماعز الجبلي والحيوانات المفترسة؛ من أسود ونمور وغيرها. هذا بالإضافة إلى وجود نقوش أخرى أحدث تعود إلى عصر ما قبل الإسلام تكثر فيها صور الجمال ورسوم القبائل ومناظر الحروب والمبارزات، مع وجود نصوص كتابية مسجلة بالخط المسند الشمالي.
وتعد مناظر الإبل الأكثر شيوعاً وانتشاراً، خلال تلك العصور التاريخية. ونظراً للأهمية الخاصة لنقوش جبة والشويمس بوصفها تراثاً إنسانياً عالمياً، فقد تم تسجيلها على قائمة التراث العالمي لمنظمة «اليونسكو». وقد شاهدتُ مدى اهتمام خبراء «هيئة التراث» بالحفاظ على الموقع وتطويره، باعتباره موقعاً تراثياً عالمياً.