بقلم زاهي حواس
استطاع علماء المصريات خلال السنوات العشر الماضية وبفضل الاكتشافات الأثرية المهمة أن يعيدوا كتابة صفحات من تاريخ مصر الفرعوني، كما استطاعوا أيضا أن يغيروا الكثير من معتقداتنا عن الحضارة المصرية القديمة. وبالطبع فإن هذه الاكتشافات الأثرية جاءت نتيجة الحفائر العلمية المنظمة في كل ربوع مصر؛ بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة في دراسة المومياوات الفرعونية؛ وكذلك الآثار الموجودة بالمتاحف.
وكان من أهم الاكتشافات الأثرية - والتي للأسف لم تسلط عليها الأضواء بشكل كاف - الكشف عن بردية بموقع ميناء بحري قديم على البحر الأحمر، وتشير نصوص البردية إلى هرم الملك خوفو بالجيزة، وتؤكد على أن المهندس الذي أكمل وأنهى بناء الهرم هو المهندس المعماري العبقري عنخ حاف؛ وتمثاله الرائع معروض بمتحف الفنون الجميلة بولاية بوسطن الأميركية. وقبل الكشف عن البردية كان المعتقد أن المهندس العبقري حم إيونو هو الذي بدأ وأنهى بناء الهرم الأكبر، أما الآن فليس من شك في أن حم إيونو إنما بدأ البناء وقطع فيه شوطا عظيما، وأنهى البناء عنخ حاف، وهو نفسه مهندس هرم الملك خفرع ابن الملك خوفو. وتشير البردية إلى العام 27 من حكم خوفو، وهي المرة الثانية التي يعثر فيها على نص بنفس التاريخ؛ بعد أن عثر عليه من قبل فيما يعرف بنقوش الصحراء الغربية. والعثور على نقش يؤرخ للعام 27 من حكم خوفو يعني أنه قد حكم لمدة لا تقل عن 30 - 32 عاما فقط.
ومن الاكتشافات الأثرية المهمة: الكشف عن مومياء الملكة حتشبسوت الذي شرفت بأنني كنت على رأس الفريق الذي قام بتحديد مومياء الملكة؛ باستخدام أفضل وسائل العلم من تحليل للحامض النووي DNA واستخدام جهاز الأشعة المقطعية ذي القدرات المذهلة؛ والتي أثبتت أن الملكة حتشبسوت ماتت بمرض السرطان ولم يقتلها أحد، حيث كان تحتمس الثالث خليفتها ووريثها على العرش، دائما ما يتهمه الناس بأنه هو قاتل الملكة حتشبسوت؛ وذلك رغم أنها - أي حتشبسوت - كانت عمته وكانت زوجة أبيه، وكذلك حماته بعد أن زوجته من ابنتها الأميرة نفرو رع. وأصبح من المؤكد أن الملكة حتشبسوت إنما كانت تعد الأمير الصغير للحكم بعد أن زوجته ابنتها. أما المغالطة التاريخية القائلة بأن تحتمس الثالث أمر بتدمير آثار الملكة حتشبسوت فقد تأكد أن أعمال التخريب إنما بدأت تحدث خلال أواخر عصر تحتمس الثالث وربما كذلك دون علم منه. كذلك فقد تحققنا من أن المومياء التي كانت موجودة في المقبرة الفرعونية KV 55 بوادي الملوك بالأقصر؛ إنما تخص الملك إخناتون أبا الملك توت عنخ آمون.
وكان من أروع الاكتشافات الأثرية التأكيد على أن منف لم تكن فقط العاصمة السياسية للدولة الفرعونية خلال عصر الدولة القديمة؛ وإنما كانت العاصمة الإدارية لمصر خلال الدولة الحديثة، وكان أمراء الدولة المصرية يقيمون بمنف ليكملوا تعليمهم وتأهيلهم للحكم من خلال الإقامة بأكاديمية منف العسكرية بعدما ملكت مصر أول جيش نظامي تعرفه الحضارات القديمة. وما زال التاريخ الفرعوني يكشف أسرار حضارة مصر.
نقلا عن جريدة الشرق الأوسط