زاهي حواس
كان الراحل العظيم أنيس منصور من المغرمين بالحديث عن لعنة الفراعنة وبفاعلية سحر الفراعنة الذي وصفه المولى عز وجل في كتابه الكريم بأنه سحر عظيم. وكان أنيس منصور رحمه الله يؤمن أن هناك لعنة تصيب كل من يتعامل مع الآثار الفرعونية، وقد كتب عن هذا الموضوع في عموده الشهير «مواقف» بـ«جريدة الأهرام»، كما كتب كتابا عن لعنة الفراعنة؛ عدد فيه كل القصص والحكايات التي تؤيد وجود اللعنة، كما ترجم كتاب الصحافي الألماني عن اللعنة والحوادث المتصلة بها.. وقد قص أنيس منصور حكاية الكشف عن مراكب الشمس سنة 1954؛ حيث كان يجلس مع كمال الملاخ - مكتشف مراكب الشمس - يتناولان الغداء في مطعم الإكسلسيور بوسط البلد، وتلقى الملاخ مكالمة تليفونية من الريس «جرس يني» الذي كان يشرف على العمال الذين يزيلون الأحجار والرديم من الجانب الجنوبي لهرم الملك «خوفو»..
وكان كمال الملاخ يعمل مهندسا بمنطقة الهرم، ودرس الآثار إلى جانب دراسته للعمارة وحصل على وظيفة مدير أعمال منطقة الهرم، وكان الريس جرس يني يعمل معه؛ ولذلك وحيث إن العمل هندسي فقد كلفته مصلحة الآثار بهذا العمل، وقال أنيس منصور إن الريس جرس أخبر الملاخ أنهم اكتشفوا حفرة بها أخشاب مركب. وعلى الفور جرى أنيس ومعه الملاخ إلى منطقة الهرم في عربة أنيس، وفجأة احترق موتور العربة، وأرجع أنيس هذا الموضوع إلى لعنة الفراعنة، وعندما وصلوا إلى منطقة الهرم قام الملاخ بعمل فتحة صغير للحفرة التي كانت مغطاة بأحجار ضخمة وأسفلها بقايا الأخشاب الخاصة بالمركب، وزحف على بطنه لينظر إلى ما هو موجود داخل الحفرة، وبعد ذلك حدث للملاخ مرض جلدي في يديه ورقبته وكل جسمه من شم رائحة التاريخ، التي يرجع عمرها إلى نحو 4500 سنة.. وبعد ذلك قام الملاخ بنشر هذا الكشف من خلال صحيفة الـ«نيويورك تايمز» دون الرجوع إلى مصلحة الآثار، وأعلن أنها مراكب شمس، وفي المقابل كتب عبد المنعم أبو بكر أحد علماء الآثار، والحاج أحمد يوسف الذي رمم المركب، أنها ليست مراكب شمسية، وقام محمد حسنين هيكل، الذي كانت تربطه صداقة بالملاخ، بإقناع الرئيس جمال عبد الناصر بزيارة الكشف الجديد، وسافر الملاخ إلى أميركا ليحاضر عن المركب، وعاد من رحلته ليفاجأ بأن مصلحة الآثار خصمت من مرتبه 15 يوما ونقلته من منطقة الهرم، وعرض عليه هيكل الاستقالة والعمل في جريدة «الأخبار»، وبعد ذلك انتقل إلى «الأهرام»، وظل يشرف على الصفحة الأخيرة.. ورغم أن كشف المراكب كان سبب شهرته فإنها كانت سببا في وفاته.
فقد تعاقد الراحل الدكتور أحمد قدري، وكان رئيس هيئة الآثار في ذلك الوقت، مع الجمعية الجغرافية لعمل ثقب تدخل من خلاله كاميرا لتصوير ما في باطن الأرض، ولم يكن أحمد قدري على وفاق مع كمال الملاخ ولذلك لم يكن الأخير ضمن فريق العمل.. وظل الملاخ يشكو قدري لكل المسؤولين في مصر، وأذكر أنه اتصل بي قبل سفري إلى أميركا لحضور افتتاح معرض «رمسيس الثاني» بمدينة دنفر، وطال الحديث لمدة ساعة ونصف الساعة وهو يشكو تجاهله، وكنت أحس بالحسرة والدموع في صوته، وسافرت إلى أميركا في المدينة التي يعيش فيها أخوه رجائي الملاخ وزوجته دورثيا، وفي صباح أحد الأيام اتصلت بي بالفندق وقالت: «د. زاهي: مات كمال الملاخ!».