بقلم - وفاء محمود
لعبة الأمم إنها لعبة تختلف عن غيرها من أنواع اللهو واللعب مثل البوكر أو الحرب أو التجارة، فى عدة نواح هي: أولا: أن كل لاعب فى هذه اللعبة له أهدافه الخاصة، التى تختلف عن أهداف الآخرين وتحقيق هذه الأهداف مقياس نجاحه، ثانيا: كل لاعب فى هذه اللعبة مجبر بظروفه داخل بلاده على القيام بأعمال وتحركات ضمن مجال اللعبة، دون أن يكون لها علاقة بأسباب النجاح، بل يمكن أن تقلل من فرص النجاح نفسه، ثالثا: فى لعبة الأمم لا يوجد فائزون ألبتة، بل الكل خاسرون، لهذا لم يحرص كل لاعب على النجاح، بقدر ما يتجنب الضياع والخسارة، الهدف المشترك لجميع اللاعبين فى لعبة الأمم هو رغبتهم فى المحافظة عليها مستمرة، دون توقف، ذلك أن توقف هذه اللعبة لا يعنى سوى شيء واحد، ألا وهو الحرب!
كان ذلك جزءا من محاضرة ألقاها (زكريا محيى الدين) بالكلية العسكرية المصرية عام 1962، وهو أحد أبرز الضباط الأحرار على الساحة السياسية المصرية، وأول رئيس للمخابرات المصرية، وفيها حدد الخطوط العريضة للعلاقات الدولية، ورغم هذا الإدراك لقوانين اللعبة الأممية، إلا أن ذلك لم يمنع وقوع كارثة نكسة 67، فلا يكفى أن تعلم، فلابد من إتقان فنون اللعبة، لتظل لاعبا على مسرح الأحداث!.
كل دولة من حقها بل إن دورها هو التخطيط السياسى للحفاظ على قوتها، وتوسيع مناطق نفوذها فى العالم، للحفاظ على حياة أطفالها، وإكرام شيوخها، ولتسير الحياة الطبيعية فى شوارعها باطمئنان، فالحياة الآمنة ليست إنجازا ثابتا، ولكن وراءه جيشا من المجاهدين فى السياسة والدبلوماسية والمخابرات، يعمل بعيدا عن الأضواء ليتجنب الوصول للحلول العسكرية بالجيش النظامي، كحل أخير، عندما تفشل السياسة فى تحقيق أهدافها!.
وقد أثبتت الهوجات العربية أن مسرح لعبة الأمم قد انتقل إلى منطقتنا، وجرت على أرضنا حروب بالوكالة فى كل مكان، وتعتبر هذه المسرحية من أبرع المخططات المخابراتية التى تسمى «حروب الجيل الرابع»، باختراق المجتمعات واللعب على توتير النسيج الاجتماعى بصدام التناقضات الاجتماعية بعضها ببعض، لتأكل نفسها وتهدم السلم الأهلى من جذوره، لعبة الأمم الأخيرة فاقت ما كشفه ضابط المخابرات الأمريكى (مايلز كوبلاند) فى كتابه الخطير «لعبة الأمم»، الذى أصدره عام 69، وكشف فيه كواليس النشاط الأمريكى لبسط النفوذ، باختراق وكالة المخابرات لأنظمة الحكم والمجتمعات العربية من عام 47 وحتى نكسة يونيو 67!.
كانت خطورة الكتاب أنه كشف مسرح العرائس، الذى تدور عليه علاقات الدول الكبرى بالدول المحدودة الإمكانات، وجعلها تقوم بدور أكبر من حجمها، كما أوضح طبيعة الصراع الدولى الذى يمكن دولة من ممارسة نفوذ يفوق قدرتها، وقد تحرز نصرا دبلوماسيا على حساب الدول الكبري! كما حدث مع الزعيم الراحل «جمال عبد الناصر»، والذى راح ضحية هذا الصراع مع الكبار!.
فرجال الدولة هم من يدركون حقيقة الوضع الانتهازى للعالم.
يبقى فى سجل التاريخ للزعيم الخالد (عبدالناصر)، الذى دار الكتاب حوله، شرف انتهاز الفرص لمصالح وطنه المصرى وأمته العربية، رغم الإخفاق، والذى أعطانا درسا فى استثمار القدرات مع إدراك حدود القوة، وهو ما نجحت فى تحقيقه دولة (الإمارات العربية) الشقيقة فى خلق كيان عربى ناجح ينأى بنفسه عن الصراعات الداخلية للآخرين، ويمد يد التعاون مع حلفائه لتحقيق الأهداف المشتركة، والأهم هو تطبيق فلسفة العصر الاجتماعية والاقتصادية، فحققت سلما أهليا متفردا ونجحت فى تطبيق القانون وتحقيق الأمن بأدوات حديثة، وترسخ الحريات فى إطار القانون بتقدم ملحوظ، وأصبح الكيان الوطني، قائما على أصول راسخة، وجزءا آمنا فى العالم جاذبا للكفاءات فى مختلف ميادين النشاط الإنساني، مع التطوع لإرساء الأمن الإقليمى كجزء لا يتجزأ من أمنها الوطني، والمهم فى مسيرة التطور، هو عدم التوقف، بل الاستمرار فى فهم متغيرات الزمن لتدعيم الكيان الوطنى داخليا وخارجيا، ونجاح الإمارات الملحوظ هو النقيض لسقوط قطر، التى تقوم على عائلة انتهزت لعبة الأمم كفرصة انتهازية لتقدم نفسها سمسارا لبيع مقدرات الأمة العربية، فى سبيل الإبقاء على عائلة الخيانة وحمايتها بالقواعد الأجنبية والدعم السياسى والدبلوماسي، ما يبقيها على مسرح الأمم حتى الآن، لا لقوتها المالية، ولكن لخدمتها للسادة الكبار على حساب الأمة العربية، التى يدفع الضحايا فى الحروب الأهلية فى كل مكان ثمن الخيانة القطرية!.
هناك فرق بين الدولتين الخليجيتين الغنيتين، فالإمارات تحالفت مع قيم التقدم، باستثمار الأموال فى مشروعات اقتصادية، وتحالفات سياسية تحترم المصالح العربية، وعلاقات دولية حذرة، وكذلك قيادة المجتمع الداخلى نحو التجانس والانتماء واحترام الحرية الفردية فى العقيدة والرأى وحقوق الإنسان فى إطار القانون العام، بينما قطر تحالفت مع التخلف بالإبقاء على التكوين الاجتماعى متنافرا، وكانت بذراعها الإعلامية سما هاريا، واستغلال طبيعة التطور الحضارى لمكونات المجتمع العربي، التى تنجرف وراء المشاعر الدينية، وبعد أن سقط القناع، انكشف حقيقة الصراع، بين الإمارات وقطر فى لعبة الأمم، فالإمارات تناضل لوضع نموذج عربى متصالح داخليا وعالميا حسب فلسفة العصر الحديثة، بينما قطر تنافس إسرائيل بكل جدارة فى خدمة الأطماع الدولية، على حساب المصالح العربية، برعاية التخلف والإرهاب!! فالنضال العربى - كما أرى - يتمحور الآن فى تغيير الأحداث على مسرح العرائس الدولى فى لعبة الأمم لإجبارهم على التخلى عن الإرهاب وأدواته بما فيها «قطر»..
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع