توقيت القاهرة المحلي 20:16:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن تقييد الاستيراد

  مصر اليوم -

عن تقييد الاستيراد

بقلم - زياد بهاء الدين

طبيعى أن كل حكومة تحب أن ترى صادرات البلد فى ازدياد ووارداته فى تراجع نسبى، لما يعبر عنه ذلك من زيادة الإنتاج المحلى وتنافسيته، وما يؤدى إليه من تحسن فى ميزان المدفوعات وارتفاع الاحتياطى النقدى والقدرة على سداد الديون الأجنبية واستقرار سعر الصرف.

ولكن ما يحد من اتجاه البلدان المختلفة لتحقيق هذا الهدف عن طريق التدخل الإدارى - أى بعيدا عن آليات السوق - هو إدراكها أن مثل هذا التدخل قد يجلب بعض المنافع قصيرة المدى، مثل التحسن المؤقت فى ميزان المدفوعات وحماية العملة الوطنية من التراجع، ولكنه فى النهاية ضار بالاقتصاد القومى وبتنافسية الإنتاج المحلى، وبالتالى بالقدرة على التصدير والنمو مستقبلا.

تحديدًا، فإن تقييد الاستيراد بوجه عام يؤدى إلى عرقلة استيراد الخامات ومستلزمات الإنتاج والمعدات وقطع الغيار، وغيرها من المدخلات الضرورية، كى لا تتوقف عجلة الإنتاج الداخلى، لأن توقفها أو مجرد إضرابها هو أكثر ما ينبغى تجنبه، نظرًا لأنه يضعف قدرة الاقتصاد الوطنى على الإنتاج ويهدد التشغيل والتصدير والحصيلة الضريبية.

من جهة أخرى، فإن تقييد الاستيراد إداريا ودون تمييز بين ما يجرى حجبه من سلع وخدمات قد يكون له أثر تضخمى بسبب ارتفاع أسعار السلع المستوردة للاستهلاك أو السلع المحلية المعتمدة على استيراد مدخلاتها، بينما استخدام الحوافز والضريبة الجمركية بحذر وبسياسة تستهدف تشجيع الاستثمار والإنتاج يمكن أن يحد من زيادة الأسعار.

يضاف إلى ما سبق أن اضطراب قنوات التجارة الدولية يهدد علاقات التجار والمصنعين المحليين بالشركات الدولية التى يتعاملون معها من مختلف أنحاء العالم، ويزعزع العلاقات التجارية بينهم والثقة المبنية على انتظام التعامل لسنوات طويلة.. وهذه قيمة لا يجب تجاهلها بسهولة.

وأخيرًا، فإن ظهور البلد على ساحة التجارة العالمية بوصفه مانعًا - أو معرقلًا - للتعاملات التجارية الطبيعية يضر بسمعته دوليا، ويدعو إلى التوجس وينفّر منه الاستثمار الأجنبى الباحث عن التوطن والاستقرار فى بلاد تحترم قواعد التجارة الدولية الحرة.

.. ولكن ماذا عن منافع تقييد الاستيراد؟ ألا يؤدى ذلك إلى نجاح سياسة استبدال الواردات بصناعات ومنتجات محلية بحيث يزيد الاستثمار والإنتاج الوطنى ويستغنى البلد عن استيراد ما يمكن أن يوفره لنفسه؟

الأكيد أن تشجيع الإنتاج المحلى هو الهدف الاقتصادى الأسمى، ولا يعلو عليه أى هدف آخر. ولكن يجدر هنا الأخذ باعتبارين مهمين:

الأول: أن تشجيع الإنتاج المحلى ينبغى ألا يتجه بالضرورة نحو استبدال الواردات أيا كانت، بل الأفضل أن يتجه نحو ما ينتجه البلد بكفاءة وتنافسية، فيستهلك منه ما يستهلك ويصدّر الباقى للخارج، وبذلك يزيد التصدير وتتوافر العملة الأجنبية. الاستثناء من ذلك أن تقرر حكومة البلد أن هناك حاجة - لأسباب استراتيجية أو لضمان أمنها الغذائى - لضمان توافر سلع معينة محليا حتى لا تقع تحت سيطرة التقلبات الاقتصادية العالمية أو تغير التحالفات السياسية. ولكن الاستثناء - كما يقول القانونيون - لا يجب التوسع فيه.. فكل ما تنتجه الدولة بكفاءة وتنافسية محدودة يأتى على حساب فرص إنتاج سلع وخدمات أخرى بكفاءة أكبر وبعائد أفضل.

أما الاعتبار الآخر، فهو أن تقييد الاستيراد من أجل تشجيع الإنتاج المحلى يجب أن يتزامن مع استعدادات مسبقة لتوفير مناخ ملائم لتشجيع المنتجين المحليين والأجانب على اقتناص الفرص التى يتيحها مثل هذا التقييد من قوانين جاذبة ومستقرة، وترحيب من الدولة بالاستثمار الخاص، وإتاحة المعلومات بشفافية، وتسهيل الحصول على التراخيص وعلى الأرض، والالتزام بالضريبة المعلنة دون فرض رسوم إضافية غير متوقعة، وفض المنازعات القضائية بسرعة وشفافية.

أما لو لم تتوافر هذه العناصر، فإن تقييد الاستيراد لن يجلب الاستثمار المطلوب لتشجيع نمو الإنتاج المحلى.

أنتهى بما بدأت به وهو: أن كل حكومة تحب أن ترى صادرات البلد فى ازدياد ووارداته فى تراجع.. ولكن بلوغ هذا الهدف النبيل لا يتحقق بتجاهل قواعد الاقتصاد، ولا بمعاندة قوى السوق، بل بالإصلاحات المطلوبة لتحقيق زيادة حقيقية وتنافسية فى الإنتاج المحلى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن تقييد الاستيراد عن تقييد الاستيراد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon