بقلم - زياد بهاء الدين
بينما يتواصل العدوان الإسرائيلى على غزة وأهلها، وتستمر حرب الإبادة والتهجير على مرأى ومسمع من العالم، فإن الغضب فى الشارع العربى يتصاعد، وكذلك الرغبة فى التضامن ومساندة أهل غزة المتعرضين لواحد من أسوأ فصول التاريخ الإنسانى المعاصر.
ويزداد الأمر سوءًا يومًا بعد يوم، ليس فقط بحساب الضحايا- البالغ عددهم وقت كتابة هذا المقال عشرين ألف شهيد، وأكثر من خمسين ألف جريح- وإنما أيضًا بما يتعرض له مليونان من المهجرين والمحاصرين من جوع ومرض وبرد وفقدان للسكن والعلاج والخدمات العامة.
مع ذلك وقفت الشعوب العربية منذ البداية حائرة وعاجزة حيال هذه المأساة الإنسانية، متابعةً للجهود السياسية والدبلوماسية لحكوماتها، وساهرة كل ليلة أمام الأخبار الصادمة ومعبرة عن غضبها على صفحات التواصل الاجتماعى، وربما عن طريق مقاطعة بعض السلع الأجنبية.
والحال أن الجميع يترقب المساعى الدبلوماسية التى قد تؤدى إلى هدنة جديدة لتبادل المزيد من الأسرى، على أمل أن تمتد واحدة من هذه الهدنات القصيرة وينتهى معها العدوان الإسرائيلى المباشر، وتعود الحياة الطبيعية لغزة مرة أخرى.
وهنا تكمن المشكلة.. أن الحياة فى غزة لم تكن طبيعية من الأصل بل كانت حالة غير إنسانية من السجن الجماعى لمليونى شخص، وستكون أسوأ بكثير متى توقف العدوان المباشر بعد أن دمرت إسرائيل البيوت والمرافق والمدارس والمستشفيات وكل سبل الحياة.
علينا إذن الوعى بأن العدوان الإسرائيلى سوف يترك وراءه كارثة إنسانية ممتدة وباقية معنا لسنوات وعقود قادمة، وأن مناصرة أهل غزة والشعب الفلسطينى لا يجب أن تقتصر على الحالة العاطفية الإنسانية المتوهجة فى الوقت الراهن، بل يلزم أن تتحول إلى قضية ممتدة والتزام مستمر حتى بعد أن تسكت المدافع وتتراجع أخبار غزة قى نشرات الأخبار ومن الاهتمام العالمى.
وهذه مسؤولية تقع على الوطن العربى كله، وإن كان لمصر فيها نصيب الأسد. هذا ليس اختيارًا، بل هو حتمية جغرافية وواجب وطنى والتزام تاريخى. وكما وقف الشعب المصرى وراء قرار قيادته بالتصدى لمشروع تهجير أهل غزة وتصفية الحق الفلسطينى، فإنه سيقف وراء التزامنا القومى بدعم غزة ومساندة أهلها.
ولكن هل هذه مسؤولية الحكومة وحدها؟
بالتأكيد لا، بل مسؤولية شعبية أيضًا. ويجب أن تكون كذلك لأن مساندة الشعب الفلسطينى تحتاج جهودًا متنوعة وحشدًا شعبيًا ومنظمات أهلية ونقابات مهنية وشركات وأطباء ومهندسين ومعلمين وموارد من كل نوع. وإن كانت للدولة اعتبارات وتقديرات سياسية وأمنية واجبة الاحترام، فإن عليها من جهة أخرى أن تفتح الباب للجهود الأهلية والتطوعية، وتتعاون مع المجتمع المدنى والمهنى وتعتبره شريكًا فى تحمل هذه المسؤولية الوطنية.
نحتاج لإنشاء تحالف مصرى أهلى لمساندة ودعم أهل غزة، كى تكون هناك جهة للتنسيق بين الجهود، ولحشد الموارد، ووضع خطط متكاملة، وللتعامل مع الدولة من منظور الشراكة والتعاون.
فى الماضى القريب، وقت الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية، تشكلت فى مصر لجان وطنية لمساندة الشعب الفلسطينى. وأيًا كان تقييمنا لهذه الجهود، فقد كانت ذات طبيعة سياسية وحزبية، هدفها دعم القضية الفلسطينية عن طريق الضغط على الحكومات وتحريك الجماهير.
ما أقترحه الآن لا شأن له بذلك. دعوتى هنا ليست عملًا سياسيًا، ظاهرًا أو مستترًا، بل دعوة إنسانية وطنية، ليس الغرض منها تسجيل مواقف ولا إحراج حكومات ولا حشد جماهير، بل توجيه الغضب الشعبى والرغبة فى المساندة نحو مسارات مفيدة، وتحويل الطاقة التى أطلقها العدوان الإسرائيلى إلى مخزون إيجابى طويل المدى، يبنى ويعمر ويعلم ويعالج ويمنح أهل غزة أملًا فى المستقبل.