بقلم - زياد بهاء الدين
الكل فى حالة ترقب. صحيح أن الأوضاع الدولية والإقليمية، وخاصة فى غزة، تثير أجواء ترقب وانتظار فى المنطقة العربية والعالم، ولكن أظن أن لدينا فى مصر أسبابًا إضافية لذلك:
أولها الانتخابات الرئاسية التى ستجرى بعد أسبوعين. ولا أقصد ترقب نتيجتها، بل ما سيأتى بعدها، وبالذات فى المجال الاقتصادى: وما هو الجديد فى سعر الصرف وسوق العملة؟، وهل تهدأ موجة الغلاء؟، هل من تغيير فى الحكومة والوزارات الاقتصادية؟، والأهم هل من تغيير حقيقى ومؤثر فى المسار الاقتصادى والسياسات الاقتصادية؟.
هناك من جهة ثانية ترقب لما سوف يترتب على عودة مصر إلى صدارة الساحتين الإقليمية والعالمية- فى ظل الوضع الإنسانى المؤسف فى غزة- من نتائج اقتصادية. ولا أقصد بذلك ما توقعه البعض، باندفاع شديد واستخفاف بالقضية الوطنية، من تدفقات مالية لمصر مقابل استقبالها نزوحًا فلسطينيًّا، فهذه قضية كانت محسومة منذ اللحظة الأولى من جانب القيادة المصرية وفى وجدان المصريين، ولا تزال كذلك.
ما أشير إليه هو الإقبال مؤخرًا من المؤسسات المالية الدولية والدول العربية على التعامل مع الملف الاقتصادى المصرى بقدر أكبر من التعاون والتفاهم والحرص على تقديم العون من أجل تجاوز الأزمة الراهنة، فهل يكون هذا الحماس الدولى والعربى مؤقتًا؟، أم أن هناك فرصة لإعادة هيكلة الدَّيْن المصرى العام الذى يثقل كاهل اقتصادنا الوطنى، أو ترقب لاستثمارات جديدة مطلوبة؟. وإذا كانت مثل هذه الانفراجة محتملة، فهل نستغلها لتنفيذ السياسات والإجراءات الإصلاحية المطلوبة؟، وتكون هذه الفرصة مبررًا للإصلاح؟.
ثالثًا، وعلى الجانب السياسى، فإن التوقعات أيضًا قائمة، وإن كانت أشد تواضعًا. خلال فترة العام ونصف العام الماضية بدا أحيانًا أن هناك أملًا فى بدء إصلاح سياسى، مع الإعلان عن حوار وطنى، ومع عودة بعض المعارضين من الخارج، ومع الإفراج عن المسجونين من الصحفيين. ولكن كل خطوة إيجابية لم تكتمل أو قابلتها خطوة للخلف، فهل تشهد مرحلة ما بعد الانتخابات، بدء انفراجة سياسية حقيقية.
وأخيرًا، وليس آخرًا، فإن الهدنة القصيرة والهشّة الراهنة فى غزة لا تعنى على الإطلاق نهاية التوتر، بل حتى لو انتهى العدوان الإسرائيلى المباشر على أهل غزة، وهذا احتمال ضئيل، فإننا نكون على مشارف وضع جديد فى القطاع، سوف يمتد سنوات طويلة، ويعيش فيه مليونان وربع المليون من الفلسطينيين فى مساحة أرض كانت ضيقة، فصارت أضيق، وفى ظروف معيشية كانت بالغة السوء، فصارت أسوأ، وبإمكانات بنية تحتية ضعيفة، فصارت مُهدَّمة بالكامل.
الكل فى حالة قلق وترقب، وقد لا يكون أمامنا سوى الانتظار وتمنى الأفضل. ولكن هل لدى الدولة ما تخاطب أو تطمئن به المشاعر القلقة؟.
أرجو ذلك، ونصيحتى أن تبديد القلق السائد لن يكون بتجاهل هذه المشاعر، ولا بتقديم وعود صعبة التحقق، ولا بالخوض فى تفاصيل معقدة، بل بتوجيه رسالة واضحة وصريحة بأن الإصلاح قادم، وخاصة فى المجال الاقتصادى، لأنه الأشد إلحاحًا.