توقيت القاهرة المحلي 18:15:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أين نحن بعد القرارات الاقتصادية الثلاثة؟

  مصر اليوم -

أين نحن بعد القرارات الاقتصادية الثلاثة

بقلم - زياد بهاء الدين

لا أحب أن أكون كمَن يفسد الفرح أو ينظر لنصف الكوب الفارغ. أقصد بذلك الوضع الاقتصادى بعد ثلاثية صفقة رأس الحكمة، وتحرير سعر الصرف، وإبرام اتفاق صندوق النقد، بل كنت أود أن أكون مشاركًا في حالة التفاؤل الرسمية والإعلامية ومقتنعًا بها لأننا جميعًا بحاجة إلى هذه الجرعة الإيجابية. ولكن الأمانة والمصلحة الوطنية تقتضيان أن نكون واقعيين حتى يعلم الناس حقيقة موقفنا وما يواجهنا من تحديات للخروج من أزمة لا تزال ممتدة معنا.

الإجراءات الثلاثة المذكورة وفرت للدولة موارد من النقد الأجنبى كانت مطلوبة بشكل مُلِحٍّ لتجنب وضع كان بالفعل خطيرًا. وعلى المدى القصير فإن هذه الأموال «المُنقذة» مكّنت مصر من تحقيق أربعة مكاسب مباشرة: توقى خطر التعثر في سداد الدَّيْن الخارجى، وضبط سوق الصرف، وتشجيع تدفق الاستثمار ومدخرات العاملين في الخارج عبر النظام المصرفى، وتحسين تصنيفنا الائتمانى. وكلها مكاسب كبيرة، ولا يصح التقليل من شأنها.

ولكن دعونا لا ننطلق في الاعتقاد بأن الأزمة زالت، وأن مشاكلنا قد حُلت. الذي جرى- ببساطة شديدة- أننا كنا على حرف الهاوية، ولم يبعدنا عن السقوط فيها إلا صفقة رأس الحكمة، واللجوء إلى واحدة من أكبر حزم الاقتراض التي عرفتها مصر مؤخرا. وإن كنت شخصيًّا قد رحبت بالإجراءات الثلاثة، فهذا لأننى كنت-

ومازلت- أعتبر أنه لم يكن هناك مفر من اللجوء إليها، وإلا كان السقوط في الهاوية أكيدًا.

ولكن إذا كنا نجحنا في تجنب كارثة محققة بتدبير التمويل في اللحظة الأخيرة، فإن هذا لا يعنى الخروج من الأزمة، بل علينا انتهاز الفرصة واتخاذ الإجراءات وتطبيق السياسات اللازمة لتجنب العودة إلى ذات الوضع مرة أخرى ولبدء الإصلاح الاقتصادى الحقيقى والمستدام.

ولكن يُقلقنى أن ما شاهدته وسمعته خلال الأسابيع القليلة الماضية لا ينم عن تغيير حقيقى في المسار، بل أراه، معبرًا بشكل ضمنى عن استمرار ذات المنطق القديم.

التمسك بأن السياسات السابقة كانت سليمة، ولم يعرقلها سوى العوامل الخارجية، والإعلان عن مراحل جديدة من المشروعات والنظر إلى بيع الأصول باعتباره مصدرًا دائمًا للتمويل، والترحيب بعودة الأموال الساخنة مصدرًا للعملة الأجنبية، (بعدما كانت منذ عامين سبب المشكلة)، وعدم اعتبار الزيادات الجديدة في الدَّيْن الخارجى مصدر قلق، وغياب الحوكمة في بعض قرارات توزيع الموارد، كل هذه علامات وإشارات مقلقة ينبغى التوقف عندها.

■ ■ ■

يستخدم الاقتصاديون تفرقة مهمة بين القطاع المالى وبين القطاع الحقيقى، وهى تفرقة مفيدة في فهم وضعنا الراهن.

الذي جرى حتى الآن هو عملية إنقاذ مالى، بدونها كان الوضع سيكون بالغ الحرج، ويكاد يدفع مصر إلى التعثر في التزاماتها الدولية. وهذا مجال عمل وزارة المالية والبنك المركزى والجهات الأخرى المسؤولة عن القطاع المالى، وقد أدت دورها. ولكن هناك حدود لما يمكن تحقيقه بالتدخل المالى، الذي قد ينجح في كسب الوقت، وفى إرجاء المشكلة، وفى توزيع الأعباء المالية على فترة أطول، ولكنه لا يواجه الأسباب الأصلية ولا يعالجها.

تغيير الواقع وإحداث نقلة حقيقية في الاقتصاد، وتجنب الوقوع في ذات «الورطة» بعد فترة وجيزة، بحاجة إلى نقلة نوعية في إدارتنا للاقتصاد الحقيقى، اقتصاد الإنتاج السلعى والخدمى، اقتصاد الصناعة والزراعة والسياحة، (وهذا قطاع، والحمد لله، منتعش)، والخدمات.. ونعم حتى التشييد والبناء.. هذه هي مصادر الثروة والدخل والتشغيل والتصدير والتنمية. وبدون الانتباه إليها فلن تنجح الإدارة المالية إلا في تجنب السقوط في الهاوية مرة بعد الأخرى حتى لا يعود هناك مجال باقٍ للمناورة والتصرف.

الذي ننتظره وينتظره المراقبون في الداخل والخارج ليس مزيدًا من الصفقات ولا مزيدًا من القروض، فهذه حلول مالية كانت مطلوبة وضرورية، وتم اتخاذها برغم تكلفتها الاجتماعية. الذي ننتظره هو الانتقال إلى برامج كفيلة بتنشيط الاقتصاد الحقيقى لكى يكون هناك أمل في عدم تكرار ذات السياسات والوقوع في ذات الأخطاء.

لا تدعوا الفرصة التي أُتيحت لنا تتحول إلى مصدر للتقاعس عن الإصلاح، والتشبث بسياسات ثبت قصورها، بل دعونا ننتهز هذه الفرصة لكى نُعدل المسار ونُطلق طاقات الإنتاج المُعطَّلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أين نحن بعد القرارات الاقتصادية الثلاثة أين نحن بعد القرارات الاقتصادية الثلاثة



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
  مصر اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 07:31 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هارفي ألتر يفوز بجائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء لعام 2020

GMT 06:50 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سيارة"لكزس "LC ترفع شعار التصميم الجريء والسرعة

GMT 01:30 2021 الأربعاء ,24 آذار/ مارس

مرسيدس AMG تستعد لإطلاق الوحش جي تي 73 e

GMT 01:01 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على نور عبد السلام صاحبة صوت "لؤلؤ" الحقيقي

GMT 14:07 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

"التعليم" المصرية ترد على هاشتاج «إلغاء الدراسة»

GMT 05:00 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يرفض انتقال محمد عواد إلى صفوف سيراميكا

GMT 02:05 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دعوة شحاتة وأبو ريدة والخطيب و لحضور حفل التكريم

GMT 08:17 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوب يتهم رئيس رابطة الدوري الإنجليزي بالافتقار إلى القيادة

GMT 06:12 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

عادات خاطئة تضر العين مع تقدم السن تعرّف عليها

GMT 20:29 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 11:27 2020 الإثنين ,06 تموز / يوليو

اقتصاد المغرب سينكمش 13.8% في الربع الثاني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon