بقلم - زياد بهاء الدين
جميل جدًا أن يتعاطف الشعب المصرى مع العدوان الواقع على أهل غزة، وأن يعود الوعى للشباب بالقضية الفلسطينية والحق الفلسطينى الضائع. والأجمل ألا يقف الأمر عند حد التعاطف أو الإشادة والتنديد على وسائل التواصل الاجتماعى، بل يتحول إلى فعل حقيقى وملموس وعمل إيجابى.
مع ذلك، فإن حملة المقاطعة الجارية ضد منتجات وشركات عديدة من منظور أنها داعمة لإسرائيل فى عدوانها على غزة تستدعى التوقف والتفكير فيما إذا كانت سليمة ومفيدة أم العكس.. وذلك للأسباب الآتية:
الأول: أن اختيار بضائع وشركات معينة ووضعها على قائمة المقاطعة يبدو أن فيه قدرا كبيرا من العشوائية، بسبب عدم الاستناد إلى معايير واضحة، والاعتماد على ما يتداوله الناس من أخبار ومعلومات، بعضها صحيح وبعضها خاطئ، وكثير منها فى مساحات رمادية تستحق التدقيق والتمحيص قبل اتخاذ موقف حاسم منها.
الثانى: إن المقاطعة عشوائية بالضرورة. فهناك ما يمكننا الاستغناء عنه بسهولة من بضائع خفيفة وترفية، ولكن هناك الأكثر مما لا يمكن الاستغناء عنه فى حياتنا واستهلاكنا المعتاد. وبالتالى فإن المقاطعة تصبح فى الحقيقة متوجهة ليس نحو من يساند إسرائيل، بل نحو ما يمكن الاستغناء عنه. وهذان موضوعان مختلفان عن بعض تمامًا.
الاعتبار الثالث - والأهم - أن الكثير مما نعتبره بضائع أجنبية مستوردة هو فى الواقع إنتاج محلى، قد تصل نسبة مكوناته المحلية إلى معظم القيمة النهائية، ولا يبقى للشركة الأجنبية سوى مقابل استخدام الاسم والعلامة التجاريتين.. وهذا يعنى أن المقاطعة قد تؤدى - ولو بحسن نية - إلى خفض الطلب على منتجات يتم تصنيعها محليا، وبعمالة وطنية، وبخامات بعضها محلى، كما تؤدى إلى خفض الضريبة المستحقة للبلد. مهم إذن ألا تتحول المقاطعة إلى سبب جديد لإضعاف الاقتصاد الوطنى والإنتاج المحلى فى ظروف هى من الأصل صعبة.
يضاف إلى ما سبق أن مجرد تحديد ما هو محلى وما هو أجنبى لم يعد مسألة سهلة، خاصة حينما يتعلق الأمر بمنتجات معقدة، مكوناتها مصنوعة فى عشرات البلدان، وقيمتها المضافة متفرقة بين عدة اقتصادات. تخيلوا مثلا سيارة أوروبية، يتم تجميعها فى مصر، ومكوناتها واردة من الصين والهند وفيتنام والبرازيل، ثم براءة اختراعها فى بلدها الأصلى، ومساهموها المستفيدون من أرباحها مقيدون فى بورصات عالمية. من نقاطع من هؤلاء بالضبط؟
وأخيرا، فإنى أتوجس أيضا من أن يكون وراء بعض المقاطعة - وبالتأكيد ليس كلها - تصرفات تنافسية غير سليمة، بمعنى اتجاه منتجين لسلع معينة لتصنيف المنتجات المنافسة على أنها داعمة لأسرائيل دون سند.
لكل هذا، فإننى أميل إلى التحفظ تجاه حملات المقاطعة
بشكل عام.
مع ذلك، فقد بدأت بتشجيع الشباب على العمل الإيجابى بدلا من الاكتفاء بالتأييد أو التنديد. وما أقترحه أن يكون عملنا إيجابيا بالفعل. وبدلا من مقاطعة البضائع الأجنبية عشوائيا ولفترة وجيزة قد لا تستغرق سوى أسابيع قليلة ثم تعود المياه لمجاريها، دعونا نشجع المحلى ونروّج له وندعمه، دعونا نُضَحِّ ببعض الجودة مقابل شراء إنتاجنا الوطنى.. ودعونا نفخر به بدلا من الفخر بالمستورد. كل هذه أعمال إيجابية تساعد شركاتنا وعمالنا وتصديرنا وعملتنا المحلية وحصيلة ضرائبنا. وتذكروا أن العِبرة ليست بما يحمل اسما أجنبيا، بل بما يتم إنتاجه محليا وبالقيمة المضافة للاقتصاد الوطنى.
أما المساندة العملية لأهل غزة، فلها أوجه كثيرة مفيدة من: تبرع بمال، أو منتجات، أو أدوية.. وحينما يتوقف العدوان الاسرائيلي- وهو سيوقف حتمًا - فإن أهلنا فى غزة سيكونون فى أمسّ الحاجة لكل ما يساعد على إعادة الإعمار وكل الخدمات الطبية والإنشائية والإنسانية، وهذه ستحتاج إلى نفس طويل ومثابرة سنوات عديدة لا مجرد انفعال اللحظة.
مرة أخرى.. تحية للشباب المتحمسين، وكل ترحيب بعودة الوعى، والتقدير للرغبة فى العمل المفيد.. ولكن أتمنى أن يتوجه نحو ما ينفع أهل غزة وأهل مصر والأمة العربية.