توقيت القاهرة المحلي 20:20:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عوامات إمبابة.. والصراع بين التطوير والحفاظ على التراث العمرانى

  مصر اليوم -

عوامات إمبابة والصراع بين التطوير والحفاظ على التراث العمرانى

بقلم - زياد بهاء الدين

كيف يمكن التوفيق بين برامج الدولة للتنمية العمرانية وبين الحفاظ على الهوية التاريخية والثقافية والحضارية للقاهرة وباقى المدن المصرية العريقة؟ هل التناقض حتمى ولا مفر من هدم المعالم القديمة من أجل تلبية الحاجة لمزيد من المساكن والطرق والكبارى والخدمات والمساحات التجارية، أم أن هناك تناولا بديلا لهذه القضية الشائكة؟!.

هذه الأسئلة تلح على أذهان كل من يتابعون بحسرة زوال بيوت قديمة، ومقابر تاريخية، وأشجار وحدائق، ومعالم ثقافية وحضارية منحت المدن المصرية طابعها الفريد وجعلتها محط أنظار العالم، ودفعت دولا حولنا لمحاولة اختلاقها كى تمنح مدنها الجديدة شيئا من عبق التاريخ الذى يصعب تكراره.

تدفعنى للكتابة عن هذا الموضوع متابعتى خلال الأسابيع الماضية لقضية إزالة «عوامات إمبابة» التى حظيت باهتمام ومتابعة، ليس فقط على المستوى المحلى وإنما الدولى أيضًا، إذ تصدرت عناوين الصحف الأجنبية الكبرى وكانت محل انتقاد واسع.

وأصل الموضوع - حسبما فهمت - أن ضفة نيل منطقة «إمبابة» كان بها حوالى ثلاثين عوامة (بيوت عائمة من طابقين) مستقرة فى أماكنها منذ عقود طويلة، ويتمتع مُلاكها بحق الانتفاع بالأرض اللازمة لترسية العوامة واستخدامها سكنًا خاصًا. وقد اكتسبت هذه العوامات قيمة تاريخية وثقافية وصارت من معالم القاهرة القديمة، كما خلدها أديب مصر «نجيب محفوظ» فى رواياته، وجاءت سيرتها فى بعض أفلامنا الكلاسيكية كرمز للملاذ الآمن من منزل صاخب أو رقابة زوجية محكمة أو البوليس الملكى.

المهم أنه منذ ما يزيد على العامين، بدأت السلطات تطالب ملاك العوامات برسوم باهظة مقابل استمرار حق الترسية، ثم قررت حظر ترسية العوامات السكنية على كورنيش إمبابة وقَصُر استمرار بقائها على مزاولة الأنشطة السياحية، ثم تطور الأمر بإخطار الملاك بأن كل العوامات سوف يتم سحبها من أماكنها الحالية وتخزينها مؤقتًا فى موقع ملك الدولة، بعدها يلتزم كل مالك بإيجاد مكان مختلف. واستمر الخلاف والشد والجذب حتى تم تنفيذ تعليمات إخلاء العوامات وسحبها بالفعل من حوالى شهر. والأرجح أنه مع مرور الوقت سيتم هدمها وبيعها حطاما حينما يعجز الملاك عن ايجاد موقع آخر أو تسديد الرسوم الباهظة الواقعة عليهم.

فهل كانت هذه النتيجة المؤسفة حتمية؟، وهل زوال العوامات ضريبة يلزم دفعها من أجل تطوير كورنيش إمبابة، أم أن هناك حلا آخر؟.. هذه إشكالية التنمية العمرانية الرئيسية التى تعاملت معها دول العالم، وتراكم فيها من الدروس والتجارب الناجحة ما يمكن الاستفادة به لتحقيق الصالح العام الاقتصادى والحضارى والثقافى فى آن واحد.

المدخل هو اعتبار الأصول التراثية أصولًا بحق وليست عوائق تعترض طريق التنمية والتطوير.. لهذا اتجهت الدول الواعية بهذه الإشكالية إلى اعتبار معالمها التراثية جزءًا من التخطيط العمرانى، بل قلب هذا التخطيط، فحولت المبانى القديمة والمعالم التراثية إلى متاحف ومكتبات ومراكز تجارية وسياحية وسكنية، وأشركت المجتمع المحيط بها فى حمايتها وإدارتها، وأطلقت طاقات إبداعية وتكنولوجية لتطويرها وصيانتها لتنسجم مع متطلبات العصر.

تطبيقا لما سبق، دعونى أَعُد لعوامات إمبابة.. الحكومة تحقق لها ما أرادت، وهو إخلاء الكورنيش من العوامات تمهيدا فى الأرجح لتطوير المنطقة.. ولكن هذا لا يعنى إهدار هذا الجانب الفريد من تاريخ مصر المعاصر وترك العوامات مركونة ومحجوزا عليها حتى يتم بيعها «خردة» لتغطية الرسوم المجحفة الواقعة على ملاكها، بل من الممكن وبسهولة تحويل هذه النهاية الحزينة إلى نهاية سعيدة.

اقتراحى أن تتدخل وزارة السياحة بالنيابة عن باقى أجهزة الدولة لتدير هذا الملف، من أجل تحويل العوامات الباقية (أظن نصفها لا يزال محجوزا عليه) إلى أصول سياحية يستفيد منها البلد والسياحة وأصحاب العوامات.. وهذا يتطلب تنفيذ أربع خطوات مرتبطة: (١) إسقاط الرسوم الباهظة التى تم فرضها خلال العامين الماضيين على أصحاب العوامات لأنهم فى الحقيقة يستحقون التعويض لا العقاب. (٢) مد مهلة بقاء العوامات فى مخزنها الحكومى دون مقابل لحين تجهيز مواقع بديلة. (٣) تسهيل الحصول على التراخيص السياحية للعوامات دون رسوم. و(٤) توفير الأماكن الجديدة للترسية فى إطار تطوير كورنيش إمبابة. هذا كله لن يكلف الدولة كثيرا، ولكنه بالتأكيد يستحق الجهد، لأنه يحافظ على أصول تراثية قيّمة، ومَعلَم قاهرى جميل، وحقوق الناس، بالإضافة إلى تحسين صورتنا أمام الجهات الدولية المختصة بدعم الحفاظ على التراث العمرانى.

الأهم مما سبق أن نجاح تجربة من هذا النوع وانتهاءها نهاية سعيدة نسبيا قد يفتح الباب لمزيد من المبادرات المماثلة ومزيد من التعاون بين الأطراف المختلفة، فتساعدنا على الوصول إلى توازن سليم بين التطوير العمرانى من جهة والحفاظ على تراثنا الحضارى والإنسانى من جهة أخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عوامات إمبابة والصراع بين التطوير والحفاظ على التراث العمرانى عوامات إمبابة والصراع بين التطوير والحفاظ على التراث العمرانى



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
  مصر اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 12:07 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الجبلاية تستقر على خصم 6 نقاط من الزمالك

GMT 17:00 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

موعد إجراء قرعة كأس العالم 2018 والقنوات الناقلة

GMT 02:32 2020 الثلاثاء ,21 تموز / يوليو

سلطنة عُمان تسجل 1739 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 07:10 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

رشا مهدي تعلق على انسحاب الزمالك من مباراة القمة

GMT 19:06 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

الجونة يضم حارس الأهلي عمر رضوان رسميًا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon