توقيت القاهرة المحلي 20:12:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عوامات إمبابة.. والصراع بين التطوير والحفاظ على التراث العمرانى

  مصر اليوم -

عوامات إمبابة والصراع بين التطوير والحفاظ على التراث العمرانى

بقلم - زياد بهاء الدين

كيف يمكن التوفيق بين برامج الدولة للتنمية العمرانية وبين الحفاظ على الهوية التاريخية والثقافية والحضارية للقاهرة وباقى المدن المصرية العريقة؟ هل التناقض حتمى ولا مفر من هدم المعالم القديمة من أجل تلبية الحاجة لمزيد من المساكن والطرق والكبارى والخدمات والمساحات التجارية، أم أن هناك تناولا بديلا لهذه القضية الشائكة؟!.

هذه الأسئلة تلح على أذهان كل من يتابعون بحسرة زوال بيوت قديمة، ومقابر تاريخية، وأشجار وحدائق، ومعالم ثقافية وحضارية منحت المدن المصرية طابعها الفريد وجعلتها محط أنظار العالم، ودفعت دولا حولنا لمحاولة اختلاقها كى تمنح مدنها الجديدة شيئا من عبق التاريخ الذى يصعب تكراره.

تدفعنى للكتابة عن هذا الموضوع متابعتى خلال الأسابيع الماضية لقضية إزالة «عوامات إمبابة» التى حظيت باهتمام ومتابعة، ليس فقط على المستوى المحلى وإنما الدولى أيضًا، إذ تصدرت عناوين الصحف الأجنبية الكبرى وكانت محل انتقاد واسع.

وأصل الموضوع - حسبما فهمت - أن ضفة نيل منطقة «إمبابة» كان بها حوالى ثلاثين عوامة (بيوت عائمة من طابقين) مستقرة فى أماكنها منذ عقود طويلة، ويتمتع مُلاكها بحق الانتفاع بالأرض اللازمة لترسية العوامة واستخدامها سكنًا خاصًا. وقد اكتسبت هذه العوامات قيمة تاريخية وثقافية وصارت من معالم القاهرة القديمة، كما خلدها أديب مصر «نجيب محفوظ» فى رواياته، وجاءت سيرتها فى بعض أفلامنا الكلاسيكية كرمز للملاذ الآمن من منزل صاخب أو رقابة زوجية محكمة أو البوليس الملكى.

المهم أنه منذ ما يزيد على العامين، بدأت السلطات تطالب ملاك العوامات برسوم باهظة مقابل استمرار حق الترسية، ثم قررت حظر ترسية العوامات السكنية على كورنيش إمبابة وقَصُر استمرار بقائها على مزاولة الأنشطة السياحية، ثم تطور الأمر بإخطار الملاك بأن كل العوامات سوف يتم سحبها من أماكنها الحالية وتخزينها مؤقتًا فى موقع ملك الدولة، بعدها يلتزم كل مالك بإيجاد مكان مختلف. واستمر الخلاف والشد والجذب حتى تم تنفيذ تعليمات إخلاء العوامات وسحبها بالفعل من حوالى شهر. والأرجح أنه مع مرور الوقت سيتم هدمها وبيعها حطاما حينما يعجز الملاك عن ايجاد موقع آخر أو تسديد الرسوم الباهظة الواقعة عليهم.

فهل كانت هذه النتيجة المؤسفة حتمية؟، وهل زوال العوامات ضريبة يلزم دفعها من أجل تطوير كورنيش إمبابة، أم أن هناك حلا آخر؟.. هذه إشكالية التنمية العمرانية الرئيسية التى تعاملت معها دول العالم، وتراكم فيها من الدروس والتجارب الناجحة ما يمكن الاستفادة به لتحقيق الصالح العام الاقتصادى والحضارى والثقافى فى آن واحد.

المدخل هو اعتبار الأصول التراثية أصولًا بحق وليست عوائق تعترض طريق التنمية والتطوير.. لهذا اتجهت الدول الواعية بهذه الإشكالية إلى اعتبار معالمها التراثية جزءًا من التخطيط العمرانى، بل قلب هذا التخطيط، فحولت المبانى القديمة والمعالم التراثية إلى متاحف ومكتبات ومراكز تجارية وسياحية وسكنية، وأشركت المجتمع المحيط بها فى حمايتها وإدارتها، وأطلقت طاقات إبداعية وتكنولوجية لتطويرها وصيانتها لتنسجم مع متطلبات العصر.

تطبيقا لما سبق، دعونى أَعُد لعوامات إمبابة.. الحكومة تحقق لها ما أرادت، وهو إخلاء الكورنيش من العوامات تمهيدا فى الأرجح لتطوير المنطقة.. ولكن هذا لا يعنى إهدار هذا الجانب الفريد من تاريخ مصر المعاصر وترك العوامات مركونة ومحجوزا عليها حتى يتم بيعها «خردة» لتغطية الرسوم المجحفة الواقعة على ملاكها، بل من الممكن وبسهولة تحويل هذه النهاية الحزينة إلى نهاية سعيدة.

اقتراحى أن تتدخل وزارة السياحة بالنيابة عن باقى أجهزة الدولة لتدير هذا الملف، من أجل تحويل العوامات الباقية (أظن نصفها لا يزال محجوزا عليه) إلى أصول سياحية يستفيد منها البلد والسياحة وأصحاب العوامات.. وهذا يتطلب تنفيذ أربع خطوات مرتبطة: (١) إسقاط الرسوم الباهظة التى تم فرضها خلال العامين الماضيين على أصحاب العوامات لأنهم فى الحقيقة يستحقون التعويض لا العقاب. (٢) مد مهلة بقاء العوامات فى مخزنها الحكومى دون مقابل لحين تجهيز مواقع بديلة. (٣) تسهيل الحصول على التراخيص السياحية للعوامات دون رسوم. و(٤) توفير الأماكن الجديدة للترسية فى إطار تطوير كورنيش إمبابة. هذا كله لن يكلف الدولة كثيرا، ولكنه بالتأكيد يستحق الجهد، لأنه يحافظ على أصول تراثية قيّمة، ومَعلَم قاهرى جميل، وحقوق الناس، بالإضافة إلى تحسين صورتنا أمام الجهات الدولية المختصة بدعم الحفاظ على التراث العمرانى.

الأهم مما سبق أن نجاح تجربة من هذا النوع وانتهاءها نهاية سعيدة نسبيا قد يفتح الباب لمزيد من المبادرات المماثلة ومزيد من التعاون بين الأطراف المختلفة، فتساعدنا على الوصول إلى توازن سليم بين التطوير العمرانى من جهة والحفاظ على تراثنا الحضارى والإنسانى من جهة أخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عوامات إمبابة والصراع بين التطوير والحفاظ على التراث العمرانى عوامات إمبابة والصراع بين التطوير والحفاظ على التراث العمرانى



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon