بقلم - زياد بهاء الدين
عبّرتُ الأسبوع الماضى عن أملى - وتوقُّعى أيضًا - أن يشهد مطلع العام الجديد إطلاق رسالة اقتصادية واضحة وقوية ومحددة تعبر عن عزم الحكومة تصحيح المسار وإطلاق سياسات جديدة ومغايرة لما تم انتهاجه فى السنوات الماضية.. ولكن الرسائل المتلاحقة التى صدرت خلال الأسبوع الأول من العام جاءت بعكس التمنيات والتوقعات، وبدلًا من أن تطرح رؤية إصلاحية جديدة، فإنها اتجهت للتقليل من حجم الأزمة التى نعانى منها، والتمسك بأن أسبابها خارجية، والإصرار على انتهاج ذات السياسات التى اتبعناها فى الأعوام الماضية، ربما ببعض التحسين والتطوير.
وإليكم حصاد الأسبوع:
فى اليوم الأخير من العام الماضى، صدر قرار مجلس الوزراء باعتبار ٧ سلع غذائية رئيسية من المنتجات الاستراتيجية، وفقًا لقانون حماية المستهلك، بما يعنى عدم جواز تخزينها أو حجبها عن التداول إلا وفقا للنظام الذى تضعه وزارة التموين. وبينما يستهدف القرار هدفا نبيلا وهو ضبط الأسعار المنفلتة، إلا أن اعتماده على قرارات إدارية لمواجهة الغلاء الشديد يثير القلق من كفاءة وفاعلية هذا النوع من التدخل، وما إذا كان سوف يخفّض الأسعار بالفعل أم يزيد من حدة الأزمة. والأفضل هو مواجهة التضخم بمزيد من الإنتاج والمنافسة وتشجيع صغار المنتجين والموزعين على دخول السوق.
ثم فى اليوم الأول من العام صدرت مجموعة قرارات بزيادة أسعار بعض الخدمات الأساسية، وعلى رأسها المواصلات والإنترنت والاتصالات، زيادات ليست بقليلة.
وبعدها بيومين، وفى أعقاب اجتماع مجلس الوزراء، قام السيد رئيس المجلس بشرح أسباب الزيادة فى الأسعار، منطلقا من مبدأين: أن حكومته كانت قد حققت «المعادلة السحرية» فى النمو والتشغيل وخفض البطالة حتى جاء وباء كورونا ومن بعده حرب أوكرانيا.. وأن الزيادات فى الأسعار تقابلها زيادات أكبر فى الدعم، وبالذات فى بنود الخبز والمواصلات والكهرباء والإسكان.
والرسالتان فى رأيى جانبهما التوفيق. الأولى لأن الإصرار على سلامة السياسات الاقتصادية السابقة ليس فى محله، كما أنه يؤكد تمسك الحكومة بذات النهج القديم وعدم وجود نية حقيقية للمراجعة والتصحيح. أما الرسالة الثانية الخاصة بالدعم، فغير موفقة بدورها؛ لأن الدعم مهما زاد، فإنه لا يقابل زيادات الأسعار، كما أنه فى كل الأحوال يأتى من جيوب الناس ودافعى الضرائب والرسوم وليس منحة من الدولة.
وأخيرًا، صدرت يوم الأحد الماضى وثيقة كبيرة (من ١٥٠ صفحة) عن مركز معلومات مجلس الوزراء بعنوان «أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصرى»، تضع تصورا طموحا من الحكومة الحالية للبرنامج الاقتصادى للدولة للسنوات الست المقبلة. والحقيقة أن الورقة فيها جهد دراسى وبحثى كبير يستحق التقدير.. ولكن يعيبها أنها تقدم مستهدفات عظيمة وطموحة دون أن توضح لنا كيفية بلوغ هذه الأهداف ولا مصادر تمويلها ولا السياسات الواجبة لها، ولا ما الذى يجعلنا نتصور إمكان تحقيقها مع بقاء ذات السياسات والتوجهات فى محلها دون تغيير.
دعونا نضع ما سبق كله فى جملة واحدة: إنكار مشاكل السياسات السابقة، محاولة ضبط الأسعار بالقرارات الإدارية، زيادة تكاليف الخدمات، برامج طويلة الأجل دون عناية بمصادر تمويلها، وإرجاء التصدى للمشاكل العاجلة.. وسوف نجد أن المحصلة النهائية هى الاكتفاء ببعض «المحسنات» على سياساتنا الاقتصادية فى السنوات الماضية دون تغيير جذرى.. وهذه عكس الرسالة المتوقعة والمأمولة، داخليا وخارجيا.
لا داعى لتكرار «روشتة» الإصلاح، فإن عناصرها معروفة ومدروسة وطُرحت تفصيليا من خبراء ومحللين ومؤسسات دولية بما لا يدع مجالا للمزيد. فقط، أضيف أن الوقت يمر، والأضرار تتراكم، والمخاطر معها، ولا أحد يهمه من كان محقا فى الماضى ومن كان مخطئا، فليس هذا وقته، بل وقت اتخاذ قرار حاسم وضرورى حول إصلاح اقتصادى حقيقى وشامل، يعيد للناس الأمل، وللأسواق الانتعاش، وللمستثمرين الثقة، وللاقتصاد القومى المكانة الإقليمية التى يستحقها.
مازلنا فى الانتظار.. ولعل القادم أفضل.