بقلم - زياد بهاء الدين
تابعت الجهود المبذولة لجذب الاستثمار إلى مصر خلال الأسابيع الماضية، وعلى رأسها زيارة ولى العهد السعودى والوفد المرافق له، والتى أسفرت عن توقيع مجموعة من الاتفاقات لاستثمارات مصرية سعودية مشتركة قدرت بأكثر من سبعة ملايين دولار، ثم الزيارات رفيعة المستوى من دولتى قطر والإمارات العربية المتحدة.
وبجانب ترحيبى الدائم بالاستثمارات العربية، لاعتقادى أنها الأكثر ارتباطًا بمصر واستعدادًا للبقاء والتوسع حتى فى أصعب الظروف - خاصة لو أُحسن معاملتها - فقد أسعدنى على وجه الخصوص أن أرى هيئة الاستثمار فى صدارة هذا المشهد.. وما أسعدنى لم يكن مجرد توقيع اتفاقات الاستثمار السعودية الأخيرة فى مقر الهيئة، ولا ظهور رئيسها التنفيذى المستشار محمد عبدالوهاب فى الصحف والتليفزيون (رغم أنه عازف تماما عن الظهور الإعلامي)، بل ما أكده هذا المشهد من جهد كبير تبذله الهيئة وقيادتها فى الآونة الأخيرة للتواصل مع المستثمرين، وبالذات العرب، والتصدى لحل ما يمكن من مشاكلهم، ومساندتهم بالمتاح من المعلومات والحوافز والاهتمام بهم كى يستعيدوا ثقتهم فى الاستثمار بمصر.
مع ذلك.. هل توقيع اتفاقات بسبعة مليارات من الدولارات يعنى أن هذه الأموال سوف تتدفق على مصر خلال الأسابيع القادمة وتحقق الزيادة المرجوة فى الإنتاج والتشغيل والتصدير؟.. بالتأكيد لا، فما يسمى الاستثمار المباشر - على عكس الأموال الساخنة - لا يستهدف شراء أوراق مالية وسندات حكومية يمكن التخارج منها وبيعها فى لحظة، بل يسعى لإنشاء أصول إنتاجية وخدمية قد يستغرق تحقيق العائد منها سنوات من العمل والتعب والمخاطرة. وفى المقابل هو استثمارٌ يحقق للبلد إضافة فى الطاقات الإنتاجية، وزيادة فى فرص العمل، وتوفيرًا لسلع وخدمات قابلة للتصدير، بالإضافة بالطبع لعائد مجزٍ للمستثمر. ولهذا فإن الاستثمار المباشر يتميز بأنه يميل إلى البقاء والتوطن، أى أن صاحبه لا يملك سهولة وسرعة التخارج منه فى أى وقت، بل عليه البقاء والاستمرار فى العمل مهما تقلبت الظروف والأحوال فى البلد الذى اختاره. وهذه «التوريطة» هى ما تجعل جذبه صعبًا ومحتاجًا لكثير من الصبر والدأب من الجهات المعنية بملف الاستثمار.
نعود للسؤال الأصلى: هل توقيع اتفاقات للاستثمار بمليارات الدولارات يعنى تدفق هذه الأموال على مصر، ولو بعد حين؟.. الإجابة لا تزال بالنفى، فالاتفاقات التى قامت هيئة الاستثمار بتشجيعها ورعايتها سوف يبدأ كلٌّ منها رحلة الحصول على الأرض المطلوبة لبناء المصنع أو الفندق، ثم طلب التراخيص الصناعية والبيئية والإنشائية، ثم استيراد الآلات والمعدات ومواد الخام، ثم استقدام وتعيين وتدريب العمالة المطلوبة، ثم الحصول على المرافق اللازمة والتمويل، ثم بدء التشغيل، ثم فتح الملفات اللازمة مع مصلحة الضرائب والتأمينات الاجتماعية والرقابة على التصدير، ثم التعايش المستمر مع جهات الرقابة حسب ما يتم إنتاجه من السلع والخدمات.
كل هذه المراحل خارجة عن يد هيئة الاستثمار إلا بقدر ما تسعى وتجتهد لتسهيل حياة المستثمرين ومساندتهم حينما تطرأ المشاكل أو تظهر العراقيل.. ولكن كل الخطوات التى ذكرتها فى يد جهات حكومية أخرى متعددة، والقرار النهائى من سلطة وزراء ومحافظين ورؤساء هيئات وموظفين من مختلف الدرجات.
النتيجة أن هيئة الاستثمار قد تكون قادرة على جذب أنظار المستثمرين، والترويج بكفاءة للأنشطة والقطاعات المختلفة فى مصر، وإتاحة المعلومات، وترتيب الزيارات، والإلحاح على الجهات الحكومية المختلفة لكى تقوم بدورها بكفاءة.. ولكن النتيجة النهائية المرجوة «إنشاء المصانع وتشغيل الناس وانتظام الإنتاج» لن تكلل بالنجاح إلا بتضافر كل الجهود الحكومية وخضوعها لذات التوجه، واقتناعها بأنها ضمن فريق واحد يعمل لإحراز هدف مشترك.
الحديث عن تشجيع الاستثمار والاهتمام بمناخ الأعمال زاد فى الأسابيع الأخيرة.. وهذا جيد جدا.. ولكن الأهم أن يتحول الحديث إلى عمل متكامل ومتناغم من كل الأطراف المعنية، لأن حلقة واحدة ضعيفة فى السلسلة كفيلة بأن تُضيّع جهد الجميع.