بقلم: زياد بهاء الدين
التوقعات كلها كانت أن فريقنا القومى لن يصل للمحطة النهائية فى البطولة الإفريقية لأنه ليس فى أفضل أحواله ويقل فى مستواه عن كثير من الفرق المشاركة. هذا ما ظل الخبراء والمعلقون يرددونه فى الأسابيع الماضية وقد سمعته ممن أعرفهم من المهتمين بكرة القدم والمتابعين لأحوالها عن كثب. لهذا فلا أظن أن خسارتنا أمام فريق جنوب إفريقيا وخروجنا من البطولة هما سبب الصدمة والإحباط اللذين أصابا الجماهير فى الأيام الأخيرة، بل أظن السبب هو الشعور بعمق أزمة كرة القدم والرياضة بشكل عام والفشل الذى ظهر به الفريق وإدارته واتحاده.
هذا الفشل معروف للجميع، ولكن فى كل مرة تحل علينا بطولة أو مسابقة دولية تجتاحنا حالة غير مبررة من التفاؤل نتصور معها أن بالإمكان تجاهل الأمراض المزمنة فى الملف الرياضى والاعتماد على حماس الجمهور وصخب الإعلام ومهارة لاعب أو اثنين، ولكن الحقيقة أن الرياضة أصبحت صناعة كبيرة ومعقدة ومتكاملة الجوانب، مثلها مثل باقى الأنشطة والصناعات التى لا تنجح وتتقدم إلا بانتظام وجدية وترابط كل مراحل الإنتاج فيها كى تكون محصلتها النهائية ذات جودة عالية وقادرة على المنافسة عالميا.
هل يتصور أحد مثلا أن يبرع بلد فى تكنولوجيا المعلومات وينتج برامج وأجهزة تنافس دوليا بالاعتماد فقط على خبير أو اثنين دون أن يكون لديه نظام تعليمى متقدم وجامعات محترمة ومنح دراسية ومسابقات محلية ومناخ مشجع على البحث العلمى؟ أو أن يتفوق فى مجال السينما لمجرد أن لديه نجما أو اثنين دون أن يكون لديه تعليم ومعاهد سينمائية ومهرجانات ودعم من الدولة وفرص لاكتشاف الموهوبين وتنمية مهاراتهم؟ هكذا الرياضة أيضا، لا يمكن لمصر أو لغيرها أن تبرع فيها اعتمادا على لاعب بارع فى غياب اهتمام الدولة بالرياضة ورعايتها لكل مراحلها بدءا من التربية الرياضية فى المدارس مرورا بالمسابقات والمعسكرات والمنح وآليات اكتشاف المواهب ورعايتها انتهاء بالقمة التى تتنافس فيها الفرق على الصدارة، ولكن الحادث أننا نتصور إمكان تجاوز كل ما سبق وانتظار أن ينبغ شاب أو أكثر وتكتشفه الفرق الدولية وتستثمر فيه وتنفق على تدريبه وتسويقه فيصبح أملنا الوحيد فى تمثيل مصر تمثيلا مشرفا.
وأخيرا تضاعفت المشكلة ليس فقط بسبب إهمال الدولة للرياضة فى مراحلها المختلفة وإنما أيضا بسبب حالة الفساد والفوضى التى ضربت المؤسسات المعنية بها على نحو ما اتضح فى مشاركتنا الأخيرة فى كأس العالم، بما فى ذلك تحويل النوادى لمراكز قوى، وغياب تنظيم الاستثمار الخاص فى الرياضة، وفوضى الإعلانات والعمولات وتضارب المصالح. ويظل الوضع على ما هو عليه حتى تحدث الفضيحة فتبدأ رحلة البحث عمن يمكن التضحية به من المدربين واللاعبين والإداريين لكى يهدأ الرأى العام ثم تعود المياه لمجاريها مرة أخرى.
أما المباراة الأخيرة مع جنوب إفريقيا فقد تفوقنا فيها على أنفسنا بالدفع بلاعب متهم بالتحرش للنزول إلى الملعب فى منتصف المباراة ظنا بأنه سوف ينقذ الموقف، والنتيجة أننا خسرنا المباراة وخسرنا معها سمعتنا لأننا سمحنا له بالتصرف كما لو كان شيئا لم يكن، بينما لو بقى خارج الملعب لكانت الخسارة بشرف وسمعة طيبة واحترام للقيم الرياضية. ومع تقديرى لمبدأ اعتبار المتهم بريئا حتى تثبت إدانته، وهو أهم المبادئ القانونية جميعا، فإن إرجاء نزوله الملاعب باسم مصر إلى أن يبت فى أمره كان أقل ما يجب عمله احتراما للرياضة والأخلاق الرياضية.
لا بأس أن نخسر أمام فريق أفضل منا وأن نخرج من بطولة لم نكن مؤهلين للفوز بها. وفى المحصلة النهائية فقد كسبت مصر من حسن تنظيم البطولة حتى الآن ومن مظاهر الاستضافة والحفاوة بالضيوف، وأرجو أن يستمر الإقبال والحفاوة حتى النهاية.
ولكن ملف الرياضة المصرية يحتاج لوقفة جادة وتأمل عميق ولإدارة مختلفة تدرك ما للرياضة من قيمة اجتماعية وتعليمية واقتصادية فى المجتمع.
•••
أما زيادة أسعار الطاقة فلها حديث آخر الأسبوع المقبل.