بقلم - زياد بهاء الدين
قراءتى الشخصية لخطاب السيد رئيس الجمهورية، أمس الأول، في العاصمة الإدارية الجديدة، أن مضمونه جاء- في الجانب الاقتصادى منه- مُحمَّلًا برسالتين أساسيتين، واحدة صريحة، والأخرى أستنتجها ضمنيًّا.
الرسالة الأولى الصريحة أن هناك اهتمامًا متزايدًا، وربما هناك تطوير مرتقب في بعض الملفات الرئيسية، وعلى رأسها الصناعة والزراعة والسياحة والطاقة الخضراء والتصدير، وكذلك ملف الحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى اتجاه للحد من الإنفاق العام، وهذه كلها توجهات إيجابية، وننتظرها منذ وقت طويل.
أما الرسالة الثانية الضمنية فهى أن هذا التطوير المرتقب سيجرى ضمن ذات الإطار العام الاقتصادى والمؤسسى الذي جرى العمل به في السنوات الماضية. وهذا- إن صح فهمى وتقديرى- يعنى بقاء الملكية الحكومية المحرك الرئيسى للاقتصاد والمسيطر عليه، ربما مع إعطاء القطاع الخاص مساحة إضافية للتحرك، وبقاء آليات اتخاذ القرار الاقتصادى على حالها، واستمرار القناعة بأن أسباب الأزمة الاقتصادية الراهنة كانت خارجية، وأن التوجهات السابقة لا تزال هي الإطار العام السليم. وهذا في تقديرى يعنى أيضًا أن التغيير الحكومى المرتقب سيكون معبرًا بدوره عن ذات التوجهات، سواء تغيرت الوجوه والأسماء أم لم تتغير.
والرسالتان تعبران معًا عن استمرار المسار الاقتصادى السائد في السنوات الماضية، وإن كان ربما مع بعض التطوير، قد يكون الدافع وراءه الاضطراب الذي عانينا منه في سوق الصرف، والتزامنا تجاه مؤسسات التمويل الدولية ببرامج قطاعية محددة، وشكوى الناس من الغلاء المستمر.
إن كان تقديرى السابق في محله، فإن هذا يفرض على المعلقين والمهتمين بالشأن الاقتصادى أن يتفاعلوا معه بشكل مختلف عما كان عليه الحال في الشهور الأخيرة.
تكرار الحديث عن ضرورة تغيير المسار الاقتصادى تغييرًا جذريًّا بات حديثًا متكررًا، ولا أظنه مجديًا، خاصة مع وضوح توجهات المرحلة المقبلة. والمطلوب بدلًا من ذلك هو التفاعل مع هذه التوجهات، والانتقال من مناقشة السياسات العامة والأفكار النظرية إلى طرح رؤى ومبادرات ومقترحات محددة وقابلة للتنفيذ في كافة الملفات التي جاء ذكرها في خطاب السيد الرئيس وفى غيرها مما لم يرد ذكره، فالناس ترغب في التعرف على مقترحات بديلة محددة. ومن جهة ثانية، فإن الحوار حول قضايا وسياسات بعينها قد يمنح فرصة أكبر للتغيير التدريجى والقطاعى، ولو كان بطيئًا.
علينا أيضًا أن نتطرق- وبصراحة أكبر- إلى العوامل المؤسَّسية المحددة التي قد تسهم في نجاح أو تعثر الإصلاح الاقتصادى. وأقصد بذلك كيفية اتخاذ القرارات الاقتصادية، والأطر القانونية والدستورية لتنفيذها، ومدى مشاركة المجتمع في تحديدها وفى تقييمها. بمعنى آخر علينا التطرق إلى الجانب السياسى والمؤسسى من إدارة و«حوكمة» الاقتصاد لأن ضعف آليات الحوكمة الرشيدة كان من أكثر ما عانينا منه في الآونة الأخيرة. والحوكمة الرشيدة بالمناسبة هي آليات تقييم القرار الاقتصادى، ودراسته، وإتاحة المعلومات الكافية عنه، ومناقشته علنًا من خلال جهات الخبرة وأصحاب المصالح وممثلى الشعب، وتقييم آثاره بشكل دورى، ثم تصحيحه متى دعت الحاجة إلى ذلك.
مازلنا في أزمة اقتصادية ممتدة، والمطروح حسبما فهمت هو تطوير عدة ملفات مهمة وحيوية، ولكن في إطار ذات التوجهات العامة، وقد تكون توقعاتى في غير محلها، والتغيير القادم أكبر كما فهمت.
■ ■ ■
وأنتهز الفرصة كى أتمنى للجميع عيد فطر سعيدًا نظرًا لاعتذارى عن عدم الكتابة، الأسبوع القادم، وكل عام والجميع بخير، والوطن سالم