بقلم - زياد بهاء الدين
التعديل الوزارى الذى جرى السبت الماضى جاء مغايرًا للتوقعات المتداولة من ناحيتين؛ أنه تضمن عددًا أكبر من الوزارات عما كان متوقعًا (١٣ وزارة)، وأن معظمه جاء خارج الحقائب الاقتصادية التى كانت محلًا لمعظم التكهنات بالتغيير فى ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
فما محصلته النهائية؟ وما الذى يمكن توقعه من تغير فى السياسات الحكومية نتيجة له؟.. للإجابة أقترح تقسيم التغييرات الأخيرة إلى أربع مجموعات:
المجموعة الأولى ما أسميه «تغييرات الضرورة»، وتضم وزارات الصحة والتعليم والهجرة. فقد كان يلزم شغل منصب وزير الصحة الذى خلا منذ أكتوبر الماضى لظروف قانونية تعرضت لها الوزيرة السابقة (وتجدر الإشارة إلى ثبوت براءتها لاحقًا من كل ما نُسب إليها). ومع اختيار الدكتور خالد عبدالغفار ليحل محلها، فقد خلا منصب وزير التعليم العالى الذى كان يشغله.
وأخيرًا، فإن وزارة الهجرة خلت بدورها مع خروج السفيرة نبيلة مكرم لظروف شخصية معروفة للجميع، ومعها دعاء وتمنيات جمهور واسع بتجاوز محنتها العصيبة. ولأن هذه «تغييرات الضرورة» فلا يفترض أن يكون وراءها بالضرورة اتجاه لتعديل السياسات الوزارية.
المجموعة الثانية هى «الاقتصادية»، حيث جاء التغيير محدودًا على عكس التوقعات، إذ شمل دخول ثلاثة وزراء جدد لتولى حقائب الصناعة والتجارة، وقطاع الأعمال العام، والعمل. وفى تقديرى أن التغيير فى وزارة الصناعة والتجارة بالذات كان متوقعًا ومطلوبًا، وسيكون محل ترحيب من الأوساط الصناعية والاقتصادية، خاصة أن الوافد إليها السيد «أحمد سمير صالح»، يجمع بين التجربة الصناعية العملية والخلفية البرلمانية. أما فى وزارتى قطاع الأعمال والعمل، فلا توجد دلالة واضحة على التغيير.
المجموعة الثالثة هى «المتعلقة بالخدمات»، ولكن الواقع أن الوزارة الوحيدة التى طالها التعديل كانت وزارة التعليم، بعد أن ارتفعت وتيرة الشكاوى الأهلية والبرلمانية من السياسة التى انتهجها الدكتور طارق شوقى طوال السنوات الخمس الماضية لإصلاح نظام التعليم.. فهل كانت التجربة غير ناجحة وضاع الجهد هباء، أم أن مزيدا من الوقت كان مطلوبا لكى تكتمل وتتضح نتائجها الإيجابية؟.. أترك الرد للمتخصصين فى هذا المجال، وأكتفى بتوجيه التحية إليه على الجهد الذى بذله.. وبالتساؤل عما إذا كان الوزير القادم «الدكتور رضا حجازى» سوف يستكمل نفس السياسة التى كان جزءًا من صنعها وتنفيذها من موقعه السابق فى الوزارة أم سيغير المسار. ودعائى للطلاب والأهالى الذين يدفعون ثمن التغييرات والتجارب.
أما المجموعة الرابعة فهى ذات الطابع السيادى، لأن حقائبها مرتبطة بالأمن القومى، ولهذا فلم يجرِ العُرف على أن يكون تقييمها علنيًا. وهذه المجموعة تضم وزارات الإنتاج الحربى، والطيران، والتنمية المحلية (بسبب إشرافها على المحافظين)، كما أعتبر منها أيضا فى الظروف الراهنة وزارة الرى والموارد المائية لارتباط ملف سد النهضة الإثيوبى بالأمن القومى.
يتبقى بعد ذلك وزارتا الثقافة والسياحة. فأما عن الثقافة، فقد تركتها الفنانة القديرة إيناس عبدالدايم، التى كانت رمزا جامعا للمثقفين المصريين عام ٢٠١٣ حينما سعت حكومة الإخوان المسلمين للإطاحة بها من رئاسة دار الأوبرا، فالتف حولها الوسط الثقافى والفنى، وقد نالت احترام وتقدير من تعاملوا معها.. ولكن أتصور أنها بقيت فى داخلها فنانة حقيقية تُفضل ترك المنصب العام والعودة لفنها ولجمهورها. وأما عن وزارة السياحة والآثار، فلعلها أكبر مفاجآت التعديل الوزارى لما عُرف عن الدكتور خالد العنانى من نشاط بالغ طوال السنوات الماضية، ونجاحه فى فتح العديد من المواقع والمتاحف سواء الجديدة أو التى تعرضت للإرهاب والنهب، بالإضافة لإشرافه على إنشاء المتحف المصرى الكبير الذى يفترض أن يُفتتح قريبا. ولهذا أرجو أن يجد التكريم اللائق بما أنجزه خلال فترة عصيبة من انحسار السياحة العالمية بسبب وباء كورونا ثم الحرب الأوكرانية. مع ذلك، فإن حلول السيد «أحمد عيسى» محله قد يفسر الهدف من التغيير، إذ يأتى الوزير الجديد من خلفية مصرفية، وهو أحد ابرز قيادات البنك التجارى الدولى، ومن المشهود لهم بالكفاءة والخبرة، بما يعنى أن المقصود هو إعادة النظر لوزارة السياحة من منظور اقتصادى، وهذا جيد. ولكن نعود للسؤال التقليدى: هل يبقى عندئذ ملف الآثار مع السياحة أم يستقل، أو يلحق بوزارة الثقافة حتى لا يدار بذات المنطق الاقتصادى والتجارى؟!.
■ ■ ■
قبل إرسال المقال للجريدة بدقائق نُشر خبر قبول اعتذار السيد محافظ البنك المركزى المصرى عن عدم الاستمرار فى منصبه.. وإن كان صحيحًا، فقد يكون إشارة إلى تغير فى السياسات النقدية، ولكن تظل تحديات الاستثمار والتصنيع والدين العام والإنفاق ودور الدولة فى الاقتصاد تابعة للحكومة.. فهل من تغيير مرتقب؟.
■ ■ ■
ومع خالص التقدير لكل من قدم من وقته وجهده وصحته لخدمة الوطن فى العمل التنفيذى والوظيفة العامة.