توقيت القاهرة المحلي 20:20:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دلالات انضمام مصر لمجموعة «بريكس»

  مصر اليوم -

دلالات انضمام مصر لمجموعة «بريكس»

بقلم - زياد بهاء الدين

حظى القرار الصادر الأسبوع الماضى من مجموعة «بريكس» بدعوة مصر للانضمام إليها (بجانب السعودية والإمارات وإثيوبيا وإيران والأرجنتين) باهتمام حكومى وإعلامى كبير، مع التركيز على المكاسب الاقتصادية المتوقعة من ذلك.

وفى تقديرى أن فى انضمامنا لهذه المجموعة مكسبًا سياسيًا ودبلوماسيًا لا يُستهان به، ويستحق الإشادة لما يعبر عنه من استمرار تواجدنا على الساحة الدولية والصدارة للمشهد الإفريقى، خاصة أن اثنتين وعشرين دولة كانت تقدمت بطلبات رسمية للعضوية ولم يُقبل من بينها ممثلًا للقارة السمراء سوى مصر فقط. (لتحليل عميق عن الجوانب السياسية لتوسيع عضوية المجموعة أقترح مقال السفير عزت سعد، المنشور أمس الأول، فى سلسلة أوراق مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة).

ولكن على الجانب الاقتصادى فإننى أنصح بالتروى فى الاحتفاء بقيمة وتبعات الانضمام، وتجنب رفع التوقعات بأكثر مما ينبغى، لأن المكاسب الاقتصادية الممكنة لن تكون ملموسة فى الأجل القريب على نحو ما يوحى البعض، ولتوضيح مبررات تحفظى دعونا نستعرض ملابسات تكوين مجموعة «بريكس» وتطورها.

على عكس التكتلات والمجموعات الدولية التى تنشأ استنادًا لرغبة الدول فى التعاون، فإن تعبير دول «بريك» سكَّه عام ٢٠٠١ «جيم أونيل»، وكان وقتئذ أحد كبار المحللين فى بنك الاستثمار الدولى «جولدمان ساكس»، وقد اخترع هذا اللفظ ليصف به مجموعة الدول الكبرى (البرازيل وروسيا والهند والصين) الناشئة اقتصاديًا، والتى كانت تحقق فى هذا الوقت نموًا اقتصاديًا سريعًا يؤهلها- من وجهة نظره- لجذب استثمارات عالمية ضخمة، ولقيادة العالم اقتصاديًا بحلول عام ٢٠٥٠.

وكما تنتشر الأفكار البسيطة والجريئة بسرعة، شاعت فكرة «بريكس» بين المحللين وفى أسواق المال، خاصة بعد انعقاد القمة الأولى لأعضائها عام ٢٠٠٩ فى روسيا، وتحولها إلى كيان رسمى، ثم انضمام جنوب إفريقيا عام ٢٠١١. وسادت الآمال فى أن تقود هذه المجموعة دفة التحول لمستقبل يصبح فيه هذا التكتل قطبًا اقتصاديًا ثانيًا يواجه سيطرة الولايات المتحدة وأوروبا على الأسواق العالمية، ومركز ثقل جديدًا للاستثمار والإنتاج والنمو الاقتصادى. ولكن هذا السيناريو الجذاب لم يتحقق، ولم تتحقق معه نبوءة «جيم أونيل»، لتضافر عدة أسباب خلال العشرين عامًا الماضية.

أولها أن قاطرة النمو الاقتصادى التى بشرت بها البنوك العالمية لم تستمر بذات الوتيرة فى البلدان المذكورة. الصين نمت خلال العشرين عامًا من ٢٠٠٠ إلى ٢٠١٩ بمتوسط سنوى مرتفع للغاية تجاوز ٨٪، وكذلك فعلت الهند التى نمت بمتوسط يقرب من 7% خلال الفترة ذاتها. أما البرازيل فلم تنجح فى الحفاظ على ذات الإيقاع، إذ بعد عشر سنوات من النمو السريع دخلت منذ ٢٠١٠ فى أزمات اقتصادية متعاقبة عادت بها للوراء. وروسيا كذلك شهدت نموًا سريعًا لثمانى سنوات، ثم تراجعًا حادًا جعل النمو فى الاثنتى عشرة سنة التالية بالكاد يتجاوز ١%.

السبب الثانى أنه برغم انعقاد القمة الأولى للمجموعة عام ٢٠١٠ إلا أنها لم تتحول لكيان دولى مؤسسى فعال على نحو ما جرى مع تكتلات أخرى إقليمية ودولية، وبالتالى لم يترسخ وجودها العملى بشكل ملموس. صحيح أن «بنك التنمية الجديد»- ومقره فى الصين، ومديرته رئيسة البرازيل السابقة- قد تأسس، إلا أنه بعد حوالى عشر سنوات لايزال محدود الأثر، وبالكاد تجاوز التمويل الممنوح منه ثلاثين مليار دولار فى ستة وتسعين مشروعًا للبنية التحتية.

السبب الثالث أن مجموعة «بريكس» لم يربطها منذ البداية رابط فكرى ولا توجه اقتصادى أو سياسى مشترك، بل بينها تنافر وتناقضات حادة، خاصة بين القطبين الكبيرين: الصين والهند. حتى داخليًا فى كل بلد فإن التناقضات السياسية كانت موجودة مثلما جرى مع البرازيل التى تراوحت بين الحكم اليسارى ثم اليمين المتطرف ذهابًا وإيابًا، أو الهند التى تغيرت أيديولوجية حكمها تمامًا منذ عشر سنوات، أو جنوب إفريقيا التى سقطت ضحية صراعات داخلية. وطبعًا روسيا باتت مؤخرًا مقاطعة من نصف العالم. وكل هذا منع المجموعة من أن تكون لها سياسات ومواقف متسقة على الساحة الدولية. وأخيرًا، فإن السبب الرابع هو أن الصين تقدمت فى العشرين عامًا التالية على ظهور فكرة «بريكس» تقدمًا لم يكن متصورًا، وشرخت وحدها فى مسار مستقل، وباتت قوة يُحسب لها ألف حساب فى كل المجالات، كما صار لها مشروع للتوسع الدولى اقتصاديًا وسياسيًا ليست مجموعة «بريكس» إلا واحدًا من مكوناته. كل ما سبق دعا حتى «اللورد جيم أونيل» (وقد صار لوردًا فى البرلمان البريطانى) للتعليق الأسبوع الماضى فى موقع (Project Syndicate) بما معناه أن مجموعة «بريكس» ما كان لها أن تصبح تكتلًا دوليًا، ولن يكون لها تأثير اقتصادى ملموس على الساحة الدولية لتنافر مواقف وسياسات أعضائها.

أفكار كثيرة طُرحت على الساحة فى الأيام الماضية، عن تجارة دولية بعملات الدول أعضاء المجموعة، واستثمار وتجارة مشتركين، وأسواق جديدة للاقتراض، والقوة الاقتصادية الجماعية لمجموعة «بريكس» بعد انضمام الأعضاء الستة الجدد، وكلها أفكار جديرة بالتفكير.

ولكن ظنى أن غياب الحد الأدنى من التوافق السياسى بين الدول أعضاء المجموعة سيظل عائقًا رئيسيًا يحول دون قيامها بدور اقتصادى دولى فعال. وعلينا إذن- كما ذكرت فى مطلع هذا المقال- التروى فى وصف المكاسب الاقتصادية والتحفظ فى التفاؤل، والاعتماد على سياسات وطنية إصلاحية داخلية للخروج من أزمتنا الاقتصادية الراهنة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دلالات انضمام مصر لمجموعة «بريكس» دلالات انضمام مصر لمجموعة «بريكس»



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
  مصر اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 12:07 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الجبلاية تستقر على خصم 6 نقاط من الزمالك

GMT 17:00 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

موعد إجراء قرعة كأس العالم 2018 والقنوات الناقلة

GMT 02:32 2020 الثلاثاء ,21 تموز / يوليو

سلطنة عُمان تسجل 1739 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 07:10 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

رشا مهدي تعلق على انسحاب الزمالك من مباراة القمة

GMT 19:06 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

الجونة يضم حارس الأهلي عمر رضوان رسميًا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon