توقيت القاهرة المحلي 15:32:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزة ولبنان.. بعد عام

  مصر اليوم -

غزة ولبنان بعد عام

بقلم: زياد بهاء الدين

مع حلول السنوية الأولى لبدء الحرب فى غزة، كانت الآمال معقودة على قرب تسوية لإنهاء العدوان الاسرائيلى على غزة وتسهيل عمليات الإغاثة وفتح باب إعادة الإعمار. ولكن بدلًا من ذلك فتحت إسرائيل جبهة لبنان على مصراعيها، وبدلًا من حرب واحدة صارت حربين، وانضم للضحايا خلال أسبوع واحد ألف قتيل مدنى فى لبنان ومليون مهجر أو لاجئ قبل أن يبدأ الاجتياح البرى المرتقب.

إسرائيل تستغل الفرصة الفريدة لتضافر عدد من الظروف الدولية والإقليمية ليس فقط لضرب البنية التحتية لحماس وحزب الله، ولكن أيضًا لإعادة ترتيب الأوضاع السياسية فى المنطقة:

دوليًا، فإن العالم الغربى مشغول بحرب روسيا- أوكرانيا التى تسارعت وتيرتها فى الشهور الماضية، وبمشاكل اقتصادية واجتماعية أوروبية وإعادة تشكيل أجهزة مجلس الوحدة الأوروبى، وبالقلق من نمو النفوذ الصينى دون اتفاق على سياسة واحدة لمجابهته، وطبعًا بالانتخابات الأمريكية التى لن يجرؤ أى من أطرافها على محاسبة إسرائيل.

وإقليميًا، فإن الوطن العربى لم يكن فى وقت أكثر انقسامًا وتشتتًا مما هو عليه الآن، بين بلدان تشهد حروبًا أهلية وأخرى تعيد بناء كياناتها التى تفككت فى العقدين الماضيين، وأخرى تعانى من أزمات اقتصادية واجتماعية تستحوذ على كل اهتمامها، ودول تبحث عن فرصة مناسبة لإقامة جسور التواصل والتعاون مع إسرائيل.

أما فيما يخص الرأى العام العربى فهو صامت وساكن حيال الاعتداء الإسرائيلى على غزة ثم لبنان. وقد كنت أميل إلى الاعتقاد بأن الغضب موجود والرغبة فى التعبير عنه قائمة، لا يمنعها إلا القوانين المنظمة لحريات التظاهر والعمل الحزبى والنقابى فى مختلف أنحاء الوطن العربى. وأظن أن قدرًا من هذا صحيح بالفعل. ولكن مع الوقت بدأت أخشى من أن يكون غياب التعبير عن هذا الغضب يرجع لأسباب أعمق من ذلك. هناك ربما يأس فى الشارع العربى من إحداث تغيير جذرى وعادل، وهناك فقدان للرغبة فى الانخراط فى أى نشاط سياسى أو شعبى، وهناك انقسام حقيقى ومكتوم فى الرأى حيال منظمتى حزب الله وحماس، وهناك انشغال بمشاق ومتاعب الحياة، كلها عوامل جعلت الشارع العربى يغضب ويحزن ولكن لا يتحرك تعبيرًا عن ذلك.

وأخيرًا، فإن رد الفعل الإيرانى الأخير لم يحقق حتى الآن إلا إعطاء إسرائيل المبرر العسكرى والغطاء السياسى للاستمرار فى عدوانها على لبنان دون اعتبار للضحايا المدنيين، ومنح رؤساء الدول الكبرى- وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا- الفرصة لتجديد التزامها بكل ما يضمن لإسرائيل أمنها وسلامتها وحقها فى الدفاع عن نفسها.

وقد استغل المتحدث العسكرى الإسرائيلى هذا الموقف أفضل استغلال إذ لم يتوقف خلال الأيام الماضية عن ترديد أن إسرائيل تحارب بمفردها على عدة جبهات وتواجه أعداء متنوعين، سواء حماس أم حزب الله أم القوات الحوثية أم غيرها. وهذه الصورة الذهنية لواحة الديمقراطية والحداثة الواقعة فى محيط من التخلف والتطرف والعداء للسامية هى بالضبط ما تسعى إسرائيل دومًا لتأكيده وتغذيته كى يظل لها مطلق الحرية فى ارتكاب ما يحلو لها من العدوان والحصار والاستعمار دون مساءلة أو حتى لوم.

صحيح أن فظاعة العدوان الإسرائيلى على غزة بالذات أبرزت بعض العناصر الداعمة للحق الفلسطينى، وعلى رأسها الحركة الشبابية والطلابية العالمية التى اكتسبت زخمًا واتساعًا غير مسبوق، ومحاولات محاسبة إسرائيل أمام المحاكم الدولية، وبروز مواقف حاسمة لبعض البلدان الأوروبية (أيرلندا والبرتغال وإسبانيا بالذات)، إلا أن إسرائيل تعول هنا على عنصر الوقت، وعلى استيعاب الضغوط السياسية والدبلوماسية لحين إنهاء العمليات العسكرية ثم توجيه الاهتمام والموارد الإعلامية والسياسية والمالية نحو إعادة توجيه الرأى العام الشبابى لوجهة مختلفة غير معادية.

ولكن برغم ما سبق، وبرغم ما يبدو على السطح من أن إسرائيل قد نجحت فى استغلال مجموعة الظروف والعوامل التى أشرت إليها كى تحقق كل ما كانت تطمح إليه فى غزة ولبنان، إلا أن المفارقة فى هذا المشهد المأساوى أن كل هذا لم يحقق لإسرائيل النصر الذى تحلم به ولن يحققه. فحجم الدمار والقتل والتهجير والتجويع فى غزة بالذات أكبر من أن يُنسى، والتغير فى الرأى العام الشبابى العالمى أكثر عمقًا من مجرد مظاهرات واعتصامات عابرة، وحالة الدمار الشامل التى خلفها العدوان الإسرائيلى قد تقضى على البنية التحتية لمنظمتى حماس وحزب الله ولكنها لن تغلق منابع العنف بل ستضيف إليها طاقة جديدة، وإسرائيل ستجد نفسها بعدما تنتهى الحروب فى عزلة أكبر وفى حاجة لإعادة تقييم ما جرى وتقدير ثمن ما ارتكبته من جرائم بحق الإنسانية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة ولبنان بعد عام غزة ولبنان بعد عام



GMT 04:17 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 04:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 04:09 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

GMT 04:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 04:05 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 03:58 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

التوسع والتعربد

GMT 03:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا دونالد ترمب

GMT 03:51 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا طاح الليل...

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
  مصر اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 07:31 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هارفي ألتر يفوز بجائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء لعام 2020

GMT 06:50 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سيارة"لكزس "LC ترفع شعار التصميم الجريء والسرعة

GMT 01:30 2021 الأربعاء ,24 آذار/ مارس

مرسيدس AMG تستعد لإطلاق الوحش جي تي 73 e

GMT 01:01 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على نور عبد السلام صاحبة صوت "لؤلؤ" الحقيقي

GMT 14:07 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

"التعليم" المصرية ترد على هاشتاج «إلغاء الدراسة»

GMT 05:00 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يرفض انتقال محمد عواد إلى صفوف سيراميكا

GMT 02:05 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دعوة شحاتة وأبو ريدة والخطيب و لحضور حفل التكريم

GMT 08:17 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوب يتهم رئيس رابطة الدوري الإنجليزي بالافتقار إلى القيادة

GMT 06:12 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

عادات خاطئة تضر العين مع تقدم السن تعرّف عليها

GMT 20:29 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 11:27 2020 الإثنين ,06 تموز / يوليو

اقتصاد المغرب سينكمش 13.8% في الربع الثاني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon