بقلم: زياد بهاء الدين
تصدرت نقابة الصحفيين المصرية المشهد السياسى والمهنى خلال الشهور الماضية، وذلك من خلال مواقف ومعارك وقضايا مهمة خاضتها، وأذكر منها أربعة مواقف على وجه التحديد:
الموقف الأول أن النقابة، وقد تصدت للدفاع عن حريات الصحفيين ضمن مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجارى مناقشته فى البرلمان، تحولت إلى الجهة الرئيسية الداعمة لقانون أفضل ولمناقشة أعمق ولحوار مستمر حول مشروع القانون، ليس فقط فيما بخص الصحفيين بل ما يخص المجتمع كله. حتى حقوق المحامين وما يمكنهم من ممارسة مهنتهم باستقلال، تبنتها نقابة الصحفيين وفتحت أبوابها للمحامين المستقلين الذين عبروا عن آراء قيمة يطالبون فيها بإعادة النظر فى مشروع القانون. والعجيب طبعًا أن نقابة المحامين- التى أنتمى إليها- وصاحبة المصلحة الأكبر فى هذا الموضوع بدت مترددة فى الدخول لساحة النقاش.
الموقف الثانى هو احتفال جرى منذ أيام للإعلان عن الفائزين بجوائز «مؤسسة هيكل للصحافة العربية»، حيث استضافت النقابة الحفل الذى انعقد فى قاعة تحمل اسم الكاتب الكبير الراحل. وقد كانت هذه هى المرة الأولى التى يقام فيها الحفل بمقر النقابة بعد أن أقيم من قبل فى دار الأوبرا وفى منزل الأستاذ هيكل، وربما فى أماكن أخرى. ولكن إقامته للمرة الأولى فى النقابة حمل معانى لا تخفى على أحد بأن النقابة عادت مقرًا طبيعيًا لكل ما يخص العمل الصحفى فى مصر، وأنها البيت الكبير الذى يتسع لرواد وأعلام الصحافة المصرية مع تعدد مواقفهم وآرائهم. وقد جاء الاحتفال معبرًا عن هذا التعدد، إذ حضر الحفل ممثلو كل التيارات الفكرية والسياسية والإعلامية فى مشهد يليق ليس فقط بالمناسبة وبالمحتفى به، ولكن أيضًا بنقابة عريقة.
الموقف الثالث أن نقابة الصحفيين تحولت فعليًا- خلال العام الماضى- إلى المنبر المستقل الرئيسى للتعبير عن تضامن المصريين مع الشعب الفلسطينى فى محنته وفى صموده ضد العدوان الإسرائيلى. ولا أشير بذلك إلى مناسبة واحدة أو بيان يتيم أو مؤتمر بعينه، بل باتخاذ النقابة موقفًا واحدًا متسقًا ومستمرًا فى مناصرة الشعب والقضية الفلسطينيين، من خلال مناسبات عديدة ومواقف معلنة ومحاولات للمشاركة الفعلية واستضافة للصحفيين الفلسطينيين، ورثاء وتقدير من استشهد منهم فى القصف الإسرائيلى. وهذا موقف تاريخى سوف يُحسب للنقابة، خاصة أنه جاء فى ظروف عجز فيها المصريون عن التعبير عن تضامنهم الطبيعى والإنسانى مع الشعب الفلسطينى بسبب القيود المفروضة على الجامعات والنقابات والعمل الجماهيرى الحزبى.
أما الموقف الرابع، الذى لا يقل أهمية عما سبق، فهو أن النقابة لم تغفل طوال هذا الوقت القيام بدورها الأساسى فى الدفاع عن مصالح وحقوق أعضائها كما يجدر بأى نقابة، بل وجد الصحفيون منها المساندة فى المواقف السياسية، وفى المطالب المهنية والمالية.
مهنيًا وسياسيًا وقوميًا، إذن، تصدرت نقابة الصحفيين المشهد. ولا أظن أن السبب مجرد كون نقيبها نشيطًا ومخلصًا، ولا أن معه مجلسًا لا يقل نشاطًا وحماسًا، بل لأن وراءهم تراثًا نقابيًا عريقًا شارك فيه أعضاء ونقباء وصحفيون عبر الأوقات المختلفة، ولأن النقيب والمجلس عبرا عن المجتمع الصحفى الذى يمثلونه بصدق وأمانة، وأثبتوا أنهم جديرون بمواقعهم المنتخبة، فقد التف الصحفيون حولهم وحول النقابة التى رفعت رؤوسهم عالية.
فتحية للنقابة والنقيب والمجلس والأسرة الصحفية المصرية، صاحبة التاريخ العريق والمواقف الوطنية.