بقلم : زياد بهاء الدين
لا أظن أن هناك شكًا فى أن الموجة الثانية من «كورونا» قد حلت علينا. الحكومة حذرت منها أكثر من مرة خلال الأسابيع الماضية، والشواهد تشير إلى أن أعداد المصابين فى ازدياد والمستشفيات بدأت تمتلئ بالمرضى. أما عن التطعيم المرتقب، فالواضح أنه حتى مع اكتشاف أكثر من لقاح وبدء حملات التطعيم فى بعض البلدان فإن غالبية سكان العالم لن تحصل عليه قبل انتهاء فصل الشتاء.ل الصحى، فى مصر وخارجها، قد تعلموا من الموجة الأولى للوباء دروسًا مهمة واكتسبوا خبرات قيمة جعلت استجابتهم هذه المرة أسرع وأكثر فاعلية. ولكن من جهة أخرى فإن استعداد الناس للبقاء فى منازلهم فى غير متطلبات العمل الضرورية قد انهار تماما منذ بداية الصيف بعد أن ساد الاعتقاد بأن الأزمة قد تراجعت والوباء لم يعد خطيرا والتباعد الاجتماعى «حنبلة» فى غير محلها.
كل هذا يضع حكومتنا أمام موقف صعب وقرارات أصعب فيما يتعلق بالوضع الاقتصادى: هل من مجال- إذا استمرت وتيرة المرض فى التصاعد- لاتخاذ إجراءات احترازية جديدة ووقف العمل ولو جزئيًا كما جرى فى الخريف الماضى، أم أن الحالة الاقتصادية الضاغطة من جهة وسلوك الناس المستهين بالخطر من جهة أخرى يمنعان ذلك؟
القرار ليس سهلاً لأن الاستمرار يحمل مخاطر انتشار المرض وعجز النظام الصحى عن تلبية احتياجات الجميع، خاصة محدودى الإمكانات والاتصالات، بينما التوقف يهدد بتفاقم الركود الذى عانى منه الناس، خاصة فى مجالات السياحة والخدمات والتصدير وغيرها وهم بالملايين من العاملين رسميًا ومن أصحاب الأشغال والمصالح المرتبطة.
يضاف إلى ذلك أن السياسة التى انتهجتها الحكومة مع الموجة الأولى- والتى أظنها كانت سليمة فى ضوء طبيعة اقتصادنا والموارد المتاحة لنا- قد لا يكون من السهل تكرارها مرة أخرى فى ظل صعوبة تدبير موارد إضافية لتعويض وقف العمل الجزئى، وصعوبة إقناع الناس بالمكوث فى منازلهم بعد أن جربوا محنة الانقطاع عن أعمالهم فى المرة السابقة. باختصار فإن الحكومة عليها أن تواجه مرة أخرى التناقض الحتمى بين الاعتبارات الصحية والاقتصادية الذى حير العالم كله منذ بدء الوباء.
النصيحة التى أقدمها- مع إدراكى بأن الاقتراح أسهل من اتخاذ القرار وتنفيذه فى هذه الظروف الدقيقة- هو التفرقة فى الإجراءات الوقائية بين القطاعات الاقتصادية المختلفة وبين المتأثرين بأى إجراءات محتملة.
من حيث القطاعات الاقتصادية فإن الأولوية فى الإغلاق الكلى أو الجزئى يجب أن تكون لتلك المجالات والأنشطة التى لا يؤدى تعطيلها لقطع رزق العاملين فيها، وأظن أن هذا الوصف ينطبق على المدارس والجامعات، والجوامع والكنائس، والمصالح الحكومية. فلا التعليم مؤثر فى التشغيل والبطالة لأن المدرسين والمدرسات سيحتفظون بأعمالهم لو انقطعوا بضعة أسابيع، ولا دور العبادة لأن العاملين بها أيضا لن يتأثروا بغياب المصلين فترة وجيزة (مع تقديرى لصعوبة هذا القرار، ولكن المصلحة المقدمة هى الحفاظ على حياة الناس وقوت يومهم والله غفور رحيم)، ولا أجهزة الدولة ستتأثر لو بقيت نصف قوة العمل فى منازلها بعض الوقت. وعلى أى حال لا أتصور أن كل هذا يستمر أكثر من بضعة أسابيع حاسمة.
أما من حيث المتأثرون بالإجراءات الاحترازية، فإن تجربة الإغلاق الجزئى السابق أوضحت أن أكثر المتضررين كانوا فى قطاع العمالة غير الرسمية، حيث لا معاش ولا تعويض الخمسمائة جنيه ولا ضمان بالعودة للعمل ولا مجال للبحث عن بديل. لهذا فإن آخر ما ينبغى التفكير فى إغلاقه ولو جزئيًا هو كل المجالات الخدمية التى تعتمد على العمالة المؤقتة أو غير الرسمية. وأخيرًا دعونا لا ننتظر تفاقم الأزمة بل نستعد لها باستدعاء طاقات المجتمع التى يمكن أن يكون لها دور أكبر فى هذه الظروف، وأقصد بذلك الجمعيات والمؤسسات الأهلية التى يلزم أن تتيح لها الدولة الموارد والحرية والمرونة للتعامل مع الناس ومساندتهم فى مختلف المواقع التى لا تقدر الأجهزة الرسمية على التعامل معها بذات درجة المعرفة والكفاءة.
مع تمنياتى للمرضى بالشفاء، ولوطننا الحبيب بالسلامة، وللأطباء والعاملين فى القطاع الصحى بالخروج سالمين من هذه المحنة التى يواجهونها كل يوم ويتعاملون معها بكل شجاعة وإخلاص