توقيت القاهرة المحلي 22:02:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاستثمار الأجنبى والتحكيم الدولى سلاحان ذوا حدين

  مصر اليوم -

الاستثمار الأجنبى والتحكيم الدولى سلاحان ذوا حدين

بقلم - زياد بهاء الدين

الأصل فى الاستثمار الأجنبى أنه يجلب للبلد الذى يستضيفه منافع كثيرة، على رأسها العملة الأجنبية، والتكنولوجيا الجديدة، والخبرات الفنية والإدارية غير المتوفرة محليا، والفرصة لزيادة معدلات الانتاج والتشغيل والتصدير والنمو الاقتصادى. والأصل أيضا أن اتفاقات الاستثمار الثنائية وما تتضمنه من التزام بآليات وأحكام التحكيم الدولى من اهم محفزات الاستثمار الأجنبى لأنها تمنح المستثمرين الطمأنينة بان البلد المستضيف لن يتعسف فى استخدام سلطاته السيادية فى المسائل التجارية.

ولكن من وقت لآخر يحدث ما يذكرنا بأن الاستثمار الأجنبى، إن لم تحسن ادارته وتقدير عواقبه، يمكن أن يتحول إلى سلاح ذى حدين، يضر البلد أكثر مما يفيده، ويلقى على عاتق الدولة بالتزامات وتعويضات فادحة لا يتحمل عواقبها المسئولون بل الشعب الذى يسدد الثمن من مدخراته ومن موارده التى كان يجدر أن تتجه لتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.

من هذه اللحظات الفارقة حكم التحكيم الدولى الذى صدر ضد مصر منذ أسبوعين لصالح شركة أسبانية بقيمة مليارى دولار أمريكى استنادا لعدم تنفيذ مصر لالتزامها بتوريد الغاز الطبيعى لمصنع الشركة فى دمياط. وبغض النظر عما اذا كانت مصر ستدفع التعويض كاملا أم ستنجح فى التفاوض على تخفيضه أم استبداله بالتزاماتاخرى، فإن النتيجة تظل مؤسفة وذات عواقب وخيمة. ولهذا فليس غريبا أن ترتفعالأصوات المطالبة بإعادة النظر فى سياسة الدولة لجذب الاستثمار بل والانسحاب من الاتفاقات الدولية التى تلزم مصر باحترام احكام التحكيم الدولية.

ولكن هذا رد فعل مبالغ فيه وبالتأكيد يؤدى لنتائج عكسية على الاقتصاد القومى.

فالواقع أن الاستثمار الأجنبى، وما يرتبط به من قبول للتحكيم الدولى، ليس شرا ولا خيرا فى حد ذاته، بل يأتى بعوائد سلبية أو إيجابية على أى بلد فى العالم بمقدار قدرة هذا البلد على إدارة ملف الاستثمار بحكمة وكفاءة، وتحديد أولوياته بوضوح، وتقديم الحوافز اللازمة لاستقطابه دون تعارض مع مصلحة البلد، ووضع الضوابط التى يلزم على المستثمرين احترامها بوضوح وشفافية، والدخول مع الشركات والمؤسسات العالمية فى شراكات واتفاقات متوازنة.

ولكن حينما تسعى الدول لجذب الاستثمار الأجنبى بأى شكل وأى ثمن ودون تقدير لميزان التكلفة والعائد، وحينما يكون معيار النجاح الوحيد لدى متخذى القرار والاعلام والجهات الرقابية والبرلمانية هو حجم الاستثمار الوافد إلى البلد دون تقدير للاثر الذى يحدثه، فإن هذا يهدد باستنزاف الموارد الطبيعية بأثمان بخسة، أو تصدير المعادن والثروات دون تحقيق قيمة مضافة، أو تلويث البيئة وتدمير الشواطئ والأنهار، أو استغلال العمالة المحلية دون مقابل عادل، أو التضحية بعوائد جمركية وضريبية بلا مبرر، أو التعاقد مع المستثمرين بشروط مجحفة وغير مدروسة تكون نهايتها التحكيم والتعويض.

لهذا فإن الحوار العالمى عن الاستثمار لم يعد معنيا بمجرد مقارنة الدول من حيث حجم الاستثمار الأجنبى الذى تستقطبه، وإنما بنوعية هذا الاستثمار واستدامته وما يضيفه لاقتصاد البلد من أجل تقدير إن كان فى نهاية المطاف مفيدا أم ضارا.

وهذا ليس خطابا متطرفا أو خياليا، بل تتصدره مؤسسات ومعاهد رصينة وجادة، أذكر منها على سبيل المثال مركز القانون الدولى بروما (IDLO) ومركز كولومبيا للاستثمار المستدام بجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك (CCSD) ومنظمة الامم المتحدة للتجارة والتنمية بمدينة جنيف (UNCTAD) ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بمدينة باريس (OECD)، وكلها تنصح البلدان النامية بتبنى سياسات استثمارية متوازنة ومستدامة.

الحكم على مصر بتعويض قدره خمسة وثلاثين مليار جنيه مصرى لا ينبغى أن يمر مرور الكرام، ولا ان يتوقف عند حد ابداء الغضب والحسرة، وبالتأكيد لا يكون مناسبة للتراجع عن الاهتمام بجذب وتشجيع الاستثمار الأجنبى والمحلى.

ولكنه يجب أن يكون مناسبة للتفكير والحوار حول مستقبل الاستثمار الأجنبى فى مصر وضرورة بلورة سياسة اكثر اتساعا وعمقا من مجرد السعى لجذب الاستثمار بأى شروط وأية تكلفة، سياسة تضع الصالح العام الاقتصادى فى الصدارة وتدرك ان معادلة الاستثمار لا تنجح الا اذا حققت مصلحة المستثمر والبلد معا.

نقلا عن الشروق

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستثمار الأجنبى والتحكيم الدولى سلاحان ذوا حدين الاستثمار الأجنبى والتحكيم الدولى سلاحان ذوا حدين



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:57 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في ضربة إسرائيلية
  مصر اليوم - الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في ضربة إسرائيلية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 12:07 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الجبلاية تستقر على خصم 6 نقاط من الزمالك

GMT 17:00 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

موعد إجراء قرعة كأس العالم 2018 والقنوات الناقلة

GMT 02:32 2020 الثلاثاء ,21 تموز / يوليو

سلطنة عُمان تسجل 1739 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 07:10 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

رشا مهدي تعلق على انسحاب الزمالك من مباراة القمة

GMT 19:06 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

الجونة يضم حارس الأهلي عمر رضوان رسميًا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon