توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

زيادة سعر المترو وغياب مرجعية للإنفاق الاجتماعى

  مصر اليوم -

زيادة سعر المترو وغياب مرجعية للإنفاق الاجتماعى

بقلم : زياد بهاء الدين

 قرار الحكومة يوم الخميس الماضى برفع أسعار تذاكر المترو جانبه الصواب؛ لأن زيادة ثمن التذكرة من جنيهين إلى ثلاثة أو خمسة أو سبعة جنيهات بحسب المسافة أكبر من أن تتحملها أسرة عادية فيها أربع أو خمس أفراد يتنقلون يوميا. فإذا أضفنا إلى ذلك أن السعر كان قد تضاعف فى مارس ٢٠١٧ من جنيه واحد إلى جنيهين، فإن هذا يعنى أن تكلفة بعض الرحلات قد زادت سبعة مرات خلال فترة لا تتجاوز عاما وربع، وهذه زيادة غير مقبولة مهما كانت خسائر جهاز المترو أو تكلفة تشغيله.

ولكن إن كانت هذه الزيادة تستحق المراجعة بسبب تكلفتها الفادحة على سكان القاهرة الكبرى والوافدين اليها كل يوم من المدن والقرى المحيطة، فإنها كشفت فى الوقت نفسه عن اضطراب شديد فى مفاهيم الدعم والخدمات العامة والحماية الاجتماعية لدى الحكومة وفى المجتمع بشكل عام.

المبرر الأساسى الذى ساقه السيد وزير النقل لزيادة أسعار التذاكر أن جهاز المترو سوف يخسر هذا العام نحو خمسمائة مليون جنيه لو لم تتم الزيادة. ولكن فى الواقع أنه حتى لو اعتبرنا أن هذه الخسائر حتمية، وأنه لا توجد مصادر أخرى كالإعلانات أو الإيجارات التى يمكنها زيادة موارد المترو، فإن السؤال الأهم هو: وما الضرر فى أن يخسر جهاز المترو خمسمائة مليون جنيها وأن تدعمه الخزانة بهذا المبلغ من أجل توفير خدمة عامة يستفيد بها ملايين المواطنين من محدودى الدخل؟ أليس هذا تحديدا هو الغرض من وجود الدعم؟ وأليس من المنطقى أن توجه الدولة جانبا من مواردها لتوفير خدمات عامة ضرورية لصالح غير القادرين؟

الإجابة عن هذه الأسئلة تستدعى فى تقديرى الرجوع لأصل فكرة الدعم ومتى ينبغى ترشيده.

فالدعم وسيلة الدولة فى استخدام مواردها السيادية من أجل توفير سلع وخدمات معينة وضرورية لمحدودى الدخل وبأسعار تقل عن تكلفتها الفعلية وذلك تحقيقا لمصالح عامة مختلفة، أهمها توفير الحماية الاجتماعية لمن يحتاجون إليها وتمكين مختلف طبقات وفئات المجتمع من الحصول على فرصهم العادلة فى الموارد العامة وفى التقدم والمنافسة. ولكن الدعم يكون معيبا وبحاجة للإصلاح حينما يتوافر فيه واحد من الشروط التالية، أو كلها معا: (١) أن يكون متاحا على نحو لا يميز بين المستحقين وغير المستحقين بحيث يستفيد منه الأغنياء والفقراء معا. (٢) أن يكون موجها لتوفير خدمة أو سلعة ترفيهية أو غير أساسية مما لا يجوز أن يستهلك موارد

الدولة. (٣) أن يكون مما يستغرق موارد أكبر بكثير من العائد الاجتماعى المتوقع أو المصلحة محل الحماية. (٤) أن يكون موجها لسلع يمكن تهريبها خارج البلاد وبالتالى يستفيد منها مواطنو دول أجنبية ويتاجر بها المهربون. (٥) أن يكون مما يؤدى لتشجيع المواطنين على أنماط سيئة من الاستهلاك.

ولكن الواقع أن دعم المواصلات العامة، وعلى رأسها المترو، من الحالات القليلة والصارخة التى لا يتوافر فيها أى من هذه المعايير الخمس التى تدعو لترشيد الدعم أو التردد بشأنه.

فالمترو ليس من الخدمات التى يستفيد منها الأغنياء والفقراء معا، بل يستخدمه بشكل عام من ليست لديهم سيارات خاصة أو سائقون خصوصيون ولا يقدرون على التكلفة اليومية لاستخدام سيارات الأجرة أو «أوبر» أو ««كريم». وإذا كان هناك من الموسرين من يستخدمونه أحيانا فإن هذا لا يغير من حقيقة أنه وسيلة المواصلات الرئيسية لمتوسطى ومحدودى الدخل بما لا يبرر الحاجة لترشيده.

والمترو ليس سلعة ترفيهية أو كمالية، بل من أساسيات المعيشة العصرية، لأن الغالبية الساحقة تستخدمه للوصول إلى أعمالها أو دراستها أو قضاء مشاويرها الضرورية، ولا أتصور أن يكون هناك أعداد غفيرة ممن يستقلون المترو كل يوم لمجرد
التسلية أو الاستمتاع. وعلى أى حال فإن حق التنقل الآمن من الحقوق الأساسية للمواطنين ولا يقل أهمية عن الحق فى التعليم أو العلاج أو السكنى.

وإجمالى الدعم الذى يشكو منه السيد وزير النقل لا يتجاوز خمسمائة مليون جنيه سنويا، وهو مبلغ ضئيل بالنظر إلى أهمية الخدمة العامة التى يتيحها وأن عدد المستفيدين منها نحو ثلاثة ملايين راكب يوميا. وهذا المبلغ لا يتجاوز ١٥ فى الألف من إجمالى بنود الدعم والانفاق الاجتماعى فى مشروع موازنة العام القادم والبالغ ثلاثمائة وثلاثين مليار جنيها.
وخدمة المترو بالطبع ليست من الخدمات أو السلع التى يمكن تهريبها للخارج أو مما يمكن أن يستفيد منه مواطنو دول أخرى، بل تعود منفعته بالكامل على أهل البلد والمقيمين فيه.

وأخيرا فإن الإنفاق على دعم المترو لا يشجع المواطنين على سلوك وعادات سيئة ولا يهدد البيئة أو يضر بالصحة العامة، بل العكس هو الصحيح، لأن كل ما يشجع على استخدام المواصلات العامة ويحد من اللجوء للمواصلات الخاصة استثمار سليم فى البلد والنَاس والبيئة والصحة العامة.

والأهم مما سبق أن إنشاء وتشغيل المواصلات العامة نوع من الإنفاق على بنية تحتية ضرورية للبلد ولا يختلف عن إنشاء الطرق والكبارى التى توفرها الدولة كل عام دون التفكير فى تحميل تكلفتها على المواطنين أو اعتبارها من المشروعات الاقتصادية التى لا ينبغى أن تحقق خسائر.

الحكومة أخطأت فى التسرع بزيادة أسعار تذاكر المترو على هذا النحو غير المبرر، ولا عيب أن تتراجع عن قرارها أو تصححه لأن الإنصات للرأى العام والاستجابة لمطالب الناس المشروعة لا يعبران عن ضعف أو تردد بل عن استعداد للتفاعل مع الواقع وتدارك الأخطاء حينما تقع. والأهم من تصحيح القرار، هو طرح موضوع الدعم فى حوار جدى وواسع يتناول الحماية الاجتماعية من منظور يتجاوز المعاشات والضمانات، ودور الدولة فى توفير الخدمات العامة، والهدف من الإنفاق الاجتماعى وأولوياته. بغير ذلك فسوف تتكرر مثل هذه القرارات المتناقضة لعدم وجود إطار مرجعى واحد ومعروف للإنفاق الاجتماعى.

 نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زيادة سعر المترو وغياب مرجعية للإنفاق الاجتماعى زيادة سعر المترو وغياب مرجعية للإنفاق الاجتماعى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon