توقيت القاهرة المحلي 06:24:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التحكيمات والتعويضات قضية أمن قومى اقتصادى

  مصر اليوم -

التحكيمات والتعويضات قضية أمن قومى اقتصادى

بقلم - زياد بهاء الدين

أصيب الرأى العام الأسبوع الماضى بصدمة صدور حكم التحكيم الدولى ضد مصر بمبلغ مليارى دولار تعويضا لشركة إسبانية عن مخالفة شروط توريد الغاز الطبيعى إلى مصنعها فى دمياط. والمبلغ المقضى به جسيم بكل المعايير، أبسطها أنه يبلغ بحسبة بدائية نحو سبعة أضعاف الحصيلة المتوقعة للضريبة العقارية هذا العام بكل ما أثارته من صخب وجدل.

ولكن خطورة الحكم لا ترجع فقط لجسامة التعويض، وإنما لأنه ليس الأول وقد لا يكون الأخير فى ضوء الدعاوى التحكيمية الدولية المقامة ضد مصر فى السنوات الماضية.

ولهذا فليس من المبالغة وصف هذا الموضوع بأنه يمثل قضية أمن قومى اقتصادى. لهذا فبدلا من الانشغال بتوجيه أصابع الاتهام لجهات غير مسئولة عن هذه النتيجة، فإن الاجدر هو التفكير فيما يمكن عمله مستقبلا لتوقى تكرار مثل هذه الأحكام.

بداية فإن الحكم صدر عن المركز الدولى لتسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولى والمعروف باسم «ICSID». ولكن برغم تبعية المركز اداريا للبنك الدولى منذ إنشائه عام ١٩٦٦، إلا أن البنك ليس طرفا فى النزاع مع مصر ولا مسئولا عن قرارات المركز وأحكامه لأن تلك الأحكام تصدر عن هيئات تحكيم مشكلة من خبراء قانونيين مستقلين، يختارهم أطراف النزاع دون تدخل من المركز. وفى الحكم الأخير فقد تشكلت هيئة التحكيم من ثلاثة أعضاء، اثنان بريطانيان والثالث أمريكى، وقد صدر حكمها بأغلبية عضوين بينما أبدى الثالث تحفظه على الحكم.

من جهة أخرى فإن إلقاء اللوم فى كل مرة تخسر مصر فيها تحكيما دوليا على هيئة قضايا الدولة ــ باعتبارها محامى الدولة ــ ليس سليما. فهيئة قضايا الدولة تشبه فى هذا الموقف حارس المرمى الذى يجد نفسه مسئولا عن كل هدف يخترق مرماه لأنه خط الدفاع الأخير بغض النظر عن أخطاء مدافعى الفريق ولاعبى خط الوسط. كذلك هيئة قضايا الدولة فإنها تتحمل وزر كل خسارة وكل حكم دولى يصدر ضد مصر رغم أنها ليست مسئولة لا عن إبرام العقود مع المستثمرين، ولا عن مخالفتها، ولا عن ضعف المستندات والدفوع التى كان يمكن أن تدعم موقفنا.

الخسارة المتكررة لمصر فى محافل التحكيم الدولية، وهذا تعليق عام وليس على الحكم الأخير وحده، تأتى فى تقديرى من ثلاثة مصادر رئيسية: أولا، أن اختصاص مراكز التحكيم الدولية بهذه الدعاوى يجد مصدره فى اتفاقيات الاستثمار الثنائية التى أبرمتها مصر مع العديد من الدول، بما فيها الاتفاقية مع اسبانيا عام ١٩٩٢.

وهذا فى حد ذاته ليس غريبا ولا معيبا لانها اتفاقات تساهم فى فتح مجالات التعاون والاستثمار بين البلاد. المشكلة أن مصر واحدة من أكثر بلدان العالم ابراما لاتفاقيات الاستثمار الثنائية، وفى حالات منها مع دول لا تمثل لنا أهمية اقتصادية وبالتالى فإن مثل هذه الاتفاقات تلزمنا بالتحكيم الدولى دون أن يكون لها نفع حقيقى. وهذا وضع بحاجة لمراجعة شاملة وعاجلة. وقد سبق أن استعانت هيئة الاستثمار عام ٢٠٠٦ بخبرة الامم المتحدة لمراجعة هذه الاتفاقات، والنظر فيما يتم تجديده منها وما لا يتم، وتحسين قدرتنا التفاوضية بشأنها، وهو جهد يمكن استئنافه.

ثانيا، أن الاهتمام بتشجيع الاستثمار الأجنبى ومنحه المزايا والضمانات مطلوب من أجل تحقيق النمو الاقتصادى وزيادة التشغيل والتصدير وجذب التكنولوجيا. ولكن التشجيع لا ينبغى أن يتحول إلى اندفاع لابرام أى اتفاقات والالتزام بعقود غير ممكنة التنفيذ والتنازل عن حقوق البلد. لهذا فإننا بحاجة لمراجعة التصور السائد بأن كل استثمار اجنبى وكل اتفاق يجرى توقيعه امام كاميرات التلفزيون خير مطلق، بل يلزم النظر إلى مضمون هذا الاستثمار وحساب تكلفته وعائده على البلد. وما سبق يرتبط بقضية التحكيم ارتباطا مباشرا لأن التسرع فى إبرام اتفاقات مع المستثمرين دون دراسة كافية يفتح باب الأحكام الدولية والتعويضات.

ثالثا وأخيرا فإن دعاوى التحكيم الدولية تستغرق وقتا طويلا إلى أن يصدر فيها حكم نهائى. والدعوى التى خسرتها مصر الأسبوع الماضى مرفوعة أمام مركز التحكيم من فبراير ٢٠١٤. وخلال السنوات التى يستغرقها نظر هذه الدعاوى فإن الجهات الحكومية المعنية غالبا ما يتضح لها أى منها يمثل خطورة لأن الموقف القانونى
المصرى فيها ضعيف وأيها يمكن الدفاع عنه. وهنا يلزم اتخاذ موقف حاسم وسريع، فإن كان الموقف المصرى قويا نسبيا فلا شك فى أهمية الدفاع عنه حتى النهاية وبذل كل جهد لرفض المطالبة بالتعويض. أما فى الحالات التى يكون فيها موقفنا ضعيفا ويرجح معه الخسارة فإن الأفضل هو عدم انتظار صدور الحكم بل التفاوض على تسويته وديا لأن ما يقبله الطرف المدعى اثناء نظر الدعوى يقل بالضرورة عما يمكن أن يرضى به حينما يصدر لصالحه حكم نهائى. وفى تقديرى أن هذه الحقيقة ليست غائبة عن المسئولين فى مصر، ولكن أتصور ان ثقافة الخوف من اتخاذ قرار التسوية ومن الاتهام بإهدار مال الدولة تدفع لانتظار حكم التحكيم حتى ولو كان موقف مصر فيها ضعيفا والخسارة مرجحة.

ملف التحكيمات الدولية والتعويضات المحتملة ملف خطير، والخبرات المصرية فى هذا المجال داخل الحكومة وخارجها ليست قليلة، والاستعانة بخبرات اجنبية ليس عيبا.

ولكن يلزم اتخاذ قرار سياسى بالتصدى له بشكل حاسم عن طريق مراجعة الاتفاقات الاستثمارية التى أبرمتها مصر فى العقود الماضية، والتروى فى منح مزايا وضمانات استثنائية وإبرام عقود غير مدروسة العواقب، والإنصات لاصحاب الخبرات لتحديد ما يلزم تسويته وديا مع المستثمرين بسرعة قبل أن يقع علينا سيف التعويضات الباهظة مرة أخرى.

نقلا عن الشروق

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التحكيمات والتعويضات قضية أمن قومى اقتصادى التحكيمات والتعويضات قضية أمن قومى اقتصادى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon