بقلم : زياد بهاء الدين
لن أشغلكم هذا العام بتأملات عن السنة المنقضية، فقد فعل بنا «الكورونا» خلالها ما يغنى عن مزيد من الوصف، ولن أشغلكم أيضا بتوقعات العام المقبل، لأن عودة الوباء بموجة ثانية أشد ضراوة تجعل محاولة التنبؤ من قبيل التنجيم الذى لا أحبه ولا أحسنه. لذلك قررت أن أكتفى بالأمانى وأن أقصرها - بالإضافة لتجاوز محنة الوباء- على أمنية واحدة لكل مجال بدلًا من ترك الخيال يسرح ويطوف ويعود بقائمة من الأحلام غير قابلة التحقيق. وإليكم ما انتهيت إليه:
فى المجال الاقتصادى، أتمنى أن يجرى حوار جاد بين الدولة والقطاع الخاص لوضع برنامج وطنى لإصلاح مناخ الاستثمار إصلاحًا جذريًا يتضمن: (أ) تحديد دور الدولة فى النشاط الاقتصادى، (ب) الحد من الرسوم والأعباء غير الضريبية، (ب) غلق ملفات الملاحقات والتحقيقات المفتوحة من سنوات وعلى أسس قانونية سليمة، (د) العمل على إزالة قيود ومعوقات الحصول على التراخيص لمختلف الأنشطة الاقتصادية والتى زادت مؤخرا.
وفى تقديرى أن الحوار مع القطاع الخاص الممثل لمختلف المجالات والأحجام والمناطق الجغرافية أفضل وسيلة للتعرف على المشاكل الحقيقية واقتراح الحلول المناسبة لها، وأنّ تَحقُق هذه الأمنية وحدها كفيل بإطلاق طاقات الإنتاج والتشغيل والتصدير التى نحتاجها فى مرحلة ما بعد «كورونا».
وفى المجال الاجتماعى، أتمنى أن يشهد العام الجديد انتهاج الدولة سياسةً أكثر اتساعًا فى التعامل مع مشكلة الفقر، سياسة تمكين الفقراء وذوى الدخول المحدودة من امتلاك أدوات تحسين معيشتهم والتمتع بفرص التقدم والتعلم والتدريب والعمل والتحرر الاقتصادى. وهذا يعنى استكمال منظومة التأمين الصحى الشامل ومنحها كل الموارد المطلوبة لنجاحها، والعودة بجدية لموضوع (كنت قد حاولت تطبيقه خلال عملى الحكومى ولم يسعفنى الوقت) وهو مشروع الوجبة المدرسية لطلاب المرحلة الابتدائية، وتقييم تجربة إصلاح التعليم الجارية منذ سنوات تقييمًا صادقًا، ووضع مستهدفات واقعية يفهمها الرأى العام ويتابع بها ما يجرى من إصلاح إن كان حقيقيًا، واستكمال المشروع القومى لمد شبكة الصرف الصحى لكل القرى المصرية، والذى أعتبره أهم المشروعات القومية العملاقة.. ومرة أخرى، إطلاق طاقات الاستثمار، لأن العمل هو أفضل أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولحفظ كرامة المواطنين القادرين على العطاء.
أما فى المجال القانونى، فإن تمنى صدور تشريع واحد ليس مجديًا، لأن القوانين المطلوبة فى كل المجالات كثيرة ومعروفة. لذلك فسوف استبدل بها موضوعًا واحدًا أكثر اتساعًا: خلال السنوات الأخيرة صدرت لدينا مجموعة كبيرة من القوانين الاقتصادية والاجتماعية الجيدة (الإفلاس، والصناعات الصغيرة، والتراخيص الصناعية، والجمعيات الأهلية، والبناء الموحد على سبيل المثال، وكثير غيرها).. القاسم المشترك بين هذه القوانين أنها تتعثر فى التطبيق، فلا تُحدث الأثر المطلوب، لأسباب إدارية وتنفيذية، ولعدم توافر الإمكانات والتدريب والتنظيم الإجرائى الذى ينبغى أن يصاحبها منذ البداية. لذلك أتمنى أن تقوم وزارة العدل بحصر التشريعات الصادرة مؤخرا ومتابعة مدى فاعليتها على أرض الواقع، واقتراح اللوائح والإجراءات التنفيذية اللازمة لوضعها بالكامل موضع التطبيق. لدينا لجان مختلفة مختصة بالإصلاح التشريعى، فيها أرفع الكفاءات للنظر فى القوانين الجديدة المقترحة.. ولكن تفعيل القوانين الصادرة أهم بكثير من إضافة المزيد من التشريعات الجديدة التى قد تأخذ اهتمامًا إعلاميًا واسعًا لبضعة أيام، ثم ما تلبث البيروقراطية العتيدة أن تنتصر عليها وتتجاهلها.
وأخيرًا فى المجال السياسى، فأكتفى بأمنية واحدة أعتبرها مفتاح بدء الانفراج الذى يطالب به الجميع، بل تنادى به أصوات عاقلة قريبة من الدولة، وهى فتح ملف المحبوسين من أصحاب الآراء المستقلة والمعارضة، وإطلاق سبيل من ليس عليه مأخذ أو محاكمة من تواجد أدلة حقيقية على ارتكابه جريمة يعاقب عليها القانون. هذا الموضوع لم يعد قابلًا للتجاهل أو الإرجاء، ليس فقط لأنه يحقق العدالة ويعبر عن احترام القانون والدستور، وإنما أيضا لأن تناوله بشجاعة وحسم من منظور وطنى يسد باب التدخل فى الشأن المصرى من الخارج، ويحافظ على وحدة الصف الوطنى، ويعيد الفاعلية والأمل للشباب.
أكتفى بهذه الأمنيات التى أظنها معقولة وقابلة للتحقيقات، وأتمنى لمصر عامًا جديدًا هادئًا وآمنًا، وللشعب المصرى الصحة والسلامة.