بقلم : زياد بهاء الدين
مع تحفظى الذى أبديته سابقًا على الأسلوب الذى تم به تشكيل مجلس الشيوخ، إلا أن هذا لا ينفى أن عددًا ممن وقع عليهم الاختيار ليكونوا ضمن أعضائه المعينين أصحاب كفاءة وخبرة مشهود بهم، وبعضهم أصدقاء وزملاء أعتز بمعرفتهم على المستوى الشخصى. ولكن المودة الشخصية ينبغى ألا تؤثر على الحكم الموضوعى. والحقيقة أن مجلس الشيوخ، مهما كانت خبرة وكفاءة بعض أعضائه، لم يضف للبناء الديمقراطى فى مصر بل انتقص، لأن ثلثى أعضائه معينون (ثلث بقرار جمهورى، وثلث آخر بتنسيق بين الأحزاب وأجهزة الدولة)، ولأن صلاحياته الرقابية والتشريعية محدودة للغاية، ولأن الناس لم تشارك فعليا فى اختياره بل فُرض عليهم. وقد قلت سابقا وأكرر، إن للدولة- إذا شاءت- أن تشكل مجلسا استشاريا وتضم إليه من تقدرهم وتتيح لهم فرصة إبداء الرأى فى مختلف المواضيع. ولكن هذا لا يعد برلمانا ولا ديمقراطية ولا شراكة فى الحكم.
مع ذلك.. فهل معنى هذا أن نتجاهل مسبقًا كل ما سوف يقوم به مجلس الشيوخ وأعضاؤه ونشطب على نشاطاتهم ومداولاتهم القادمة؟ لا أظن أن هذا يكون موقفا صائبا حتى من أشد منتقديه. الأوفق هو التعامل مع المجلس الجديد بواقعية وباستعداد للتفاعل مع ما قد يضيفه للحياة السياسية فى مصر.
لنعتبره كما قلت مجلسًا استشاريًا اختارت الدولة أعضاءه وفقًا لمن تعتبرهم الأكثر كفاءةً وخبرةً وولاءً من أجل دراسة ما يحال إليهم من موضوعات وقوانين وإبداء الرأى بشأنها. هنا تكون العِبرة ليست بتشكيل المجلس وصلاحياته، بل بما يقدمه من رأى صائب، وما يصححه من عوار، وما يضيفه من معرفة، وما يساهم به فى تحسين أداء الحكومة أو ضبط القوانين المعروضة عليه. فإنْ نجح فسوف يكون قد تجاوز المتوقع منه ونهض بالمسؤولية وكسب احتراما ومصداقية بعمله وحرصه على الصالح العام. أما إذا انشغل أعضاؤه بمصالحهم ومنافعهم وإثبات ولائهم لمن عينوهم، واعتبروا أن دورهم مجرد التصديق على ما يحال إليهم وسكتوا عن الأخطاء والتجاوزات، فعندئذ يكونون مستحقين تجاهل الناس ومحققين أسوأ التوقعات. ولنتذكر أن مصلحتنا جميعا ليست فى إثبات صحة تقدير من اعترضوا على تشكيل المجلس، بل مصلحتنا ومصلحة الوطن فى أن يثبت خطؤنا.
أتصور أن النتيجة لن تكون قاطعة، فنحن فى النهاية أمام ثلاثمائة شخص مختلفى المواقف والتوجهات والطباع، ولاشك أن بينهم من سوف يبرزون بمواقفهم واستعدادهم للتعبير عن تطلعات الناس ومصالح الشعب، كما حدث فى مجلس النواب الذى تنقضى مدته قريبا، حيث سكت المئات وآثروا الصمت والسلامة واعتبروا مقاعدهم البرلمانية جائزة شخصية أو تكريمًا مستحقًا، بينما برز عدد محدود من النواب والنائبات الشجعان والمستقلين والحريصين على مصلحة الوطن أكثر من حرصهم على مقاعدهم فنالوا احتراما ومكانة عند الناس. علينا إذن أن نراقب ونتابع وندعم من يعبر من أعضاء مجلس الشيوخ عن استقلاله وانحيازه للوطن والمواطنين.
لم أغير رأيى السابق بأن مجلس الشيوخ ليس مجلسا نيابيا يمثل الشعب أو يعبر عن اختيار الناس، بل مجلس استشارى شكلته الدولة بمحض إرادتها.. ولكن لا أحب الاكتفاء بهذا الحكم وغلق الموضوع، بل أرى وأنصح المعترضين بالتفاعل مع المجلس بقدر ما يقدمه وبقدر عطاء كل واحد من أعضائه.
أما مجلس النواب فله حديث آخر.