توقيت القاهرة المحلي 13:33:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في نقد الخطاب المناهض للتطبيع

  مصر اليوم -

في نقد الخطاب المناهض للتطبيع

بقلم : زياد بهاء الدين

أحداث كثيرة دفعت بموضوع التطبيع مع إسرائيل إلى السطح، وإلى حوار ساخن على القنوات الفضائية وصفحات التواصل الاجتماعى.. بعضها شديد الأهمية، كالصلح الإسرائيلى مع دولتى الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وما يتردد عن حوار مع المملكة العربية السعودية، وبعضها شديد السخافة والضحالة كالمتعلق بالمدعو «نمبر وان».

مدخلى للموضوع - حتى لا يساء فهم عنوان المقال - أن إسرائيل دولة غاصبة لأرض وحقوق الشعب الفلسطينى، وأنها تقدم للعالم وجهًا حضاريًا معاصرًا، بينما تعامل الواقعين تحت احتلالها بوجه آخر عنصرى ومنتمٍ لزمن الاستعمار، وأن مصلحتها كانت ولا تزال متعارضة مع استقرار وتقدم الوطن العربى.

مع هذا، فإننى لا أجد الخطاب السائد والمناهض لإسرائيل وللتطبيع معها خطابًا مفيدًا لواقعنا الراهن ولا مقنعًا للأجيال الشابة، بل أراه معبرًا عن حالة من اليأس والعجز التى تساهم فى تثبيت الأمر الواقع وفى ترسيخ السيطرة الإسرائيلية على مقدرات المنطقة.

الخطاب الراهن المناهض للتطبيع ليس مفيدًا، لأنه لا يقدم سوى رفض رمزى (أو حتى دون الرمزى) لأى تعاون مع إسرائيل، دون أن يقدم بديلا إيجابيا، وبالتالى يقتصر على كونه رد فعل لما يجرى على الأرض، أو فى الحقيقة لما يتسرب منه إعلاميا. ولأنه رد فعل عاطفى، فإن المهم والتافه يتساويان، بل لعل رد الفعل حيال التطبيع الموسيقى من جانب «نمبر وان» يكون قد حظى باهتمام ومتابعة شعبية أكثر من اتفاقات الصلح العربية، لأن الرسالة الضمنية والمفهومة أن الاحتجاج والتنديد والتعليقات الساخنة سوف تستغرق فى كل الأحوال أسبوعًا أو اثنين ثم ينتهى الموضوع ويستقر على الأوضاع الجديدة.

من جهة أخرى، فإنه ليس خطابًا مقنعًا لأجيال جديدة من الشباب قد تكون ورثت عن أهلها الجفاء المتأصل لدى المصريين حيال إسرائيل، ولكنها لا تجد فى خطاب مناهضة التطبيع أى مصداقية خاصة، وأن معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل قد استقرت منذ أربعين عاما، وأن بلدانًا عربية أخرى تعاونت مع إسرائيل منذ سنوات عديدة ولا يمثل إبرام اتفاقيات للسلام والتطبيع معها سوى الخطوة الرسمية التى ينتظرها الجميع، بل يستغربون تأخرها.

والنتيجة أن البيانات الساخنة المناهضة لإسرائيل - ولا أقلل من إخلاص وحماس أصحابها أو أستخف بهم على أى نحو - وباقى مظاهر التنديد بالتطبيع لم تعد فى نظر الشباب إلا طقوسًا يمارسها الكبار، بينما الجميع يعلمون أنها بلا فائدة تذكر، ولهذا أعتبرها باعثة على الإحباط والشعور باليأس والضعف.

السؤال الذى ينبغى أن ننشغل به إذن هو: ما الذى يمكن عمله بشكل مفيد لمواجهة تغلغل النفوذ الإسرائيلى فى المنطقة العربية وسيطرتها على مقدراتها؟

فى تقديرى أن ما نحتاجه هو طرح جديد ومعاصر يستند إلى اعتبارات وعوامل واقعية من جهة، ومفيدة من جهة أخرى. ويأتى على رأس ذلك إدراك أن التفوق فى عالم اليوم لم يعد فقط بالقدرة العسكرية بل صار أيضا بالتقدم العلمى والتكنولوجى وحداثة التفكير والبحث، وأن الدول تكتسب مكانتها وقدرتها على التأثير فيمن حولها بقدر قوة اقتصادها واستقراره وعمقه وبقدراتها الإنتاجية والتصديرية، وأن التفوق الحضارى الحقيقى هو الذى يأتى من امتلاك قوة بشرية متمتعة بتعليم عصرى وثقافة منفتحة وسلام اجتماعى واستقرار داخلى ونظام سياسى منفتح ومنظومة قضائية عادلة. بمعنى آخر، فإن السبيل الوحيد لمجابهة السيطرة الخارجية والتدخل فى الشؤون الداخلية والتهديد المستمر لاستقرار المنطقة العربية ولأمن شعوبها، سواء من إسرائيل أو من غيرها، هو التقدم فى كل المجالات الاقتصادية والعلمية والسياسية والعسكرية.

وختامًا، فإن ما سبق يلزم أن يكون فى إطار فكرى معاصر ينبذ الخطاب الطائفى والعنصرى، ويرفض اعتبار الصراع العربى الإسرائيلى صراعًا دينيًا، بل يعيده إلى أصله وحقيقته، صراع سياسى واقتصادى وعسكرى يستهدف النفوذ والسيطرة والموارد الطبيعية والتحكم الاقتصادى، وليس الخلاف الفقهى بين الأديان.

فهل نعيد صياغة خطابنا المناهض للتطبيع كى يعبر عن الواقع ويكتسب مصداقية ويمنح الشباب الأدوات المطلوبة لفهم الموضوع والتفاعل معه بلغة وأدوات وأهداف معاصرة؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في نقد الخطاب المناهض للتطبيع في نقد الخطاب المناهض للتطبيع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 13:18 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
  مصر اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon