بقلم : زياد بهاء الدين
تربطنى بالأستاذ/ عماد حسين- الكاتب، ورئيس تحرير «الشروق»، وعضو مجلس الشيوخ- صداقة حميمة تشجعنى على التعليق على ما يكتبه دون مشقة أو حرج. وقد كتب مؤخرًا عدة مقالات مهمة يستعرض فيها التجربة البرلمانية المصرية ويستشرف المرحلة المقبلة من العمل النيابى. وتعليقى اليوم على عبارة وردت فى مقاله السبت الماضى حول التجربة الحزبية قصيرة العمر التى أفرزتها ثورة يناير ٢٠١١. وقد شاركت فى هذه التجربة نائبًا فى البرلمان المنتخب فى نهاية 2011 عن دائرة جنوب وشرق أسيوط حتى صدور حكم قضائى بحله فى يونيو ٢٠١٢.
كتب الأستاذ/ عماد أن فى هذه الفترة «تمكنت جماعة الإخوان، ومعها بقية تنظيمات الإسلام السياسى، من السيطرة على أكثر من ثلثى مقاعد مجلسى الشعب والشورى فى انتخابات خريف ٢٠١١، فى غفلة من القوى السياسية المدنية»، فهل صحيح أن القوى السياسية المدنية كانت خلال هذه الفترة الخطيرة فى غفلة؟
لا أظن ذلك، فقد جرت انتخابات ٢٠١١ فى ظروف بالغة الدقة، حيث كان حزبا الإسلام السياسى الرئيسيان- الحرية والعدالة الإخوانى، والنور السلفى- على كامل الاستعداد لخوض المعركة الانتخابية من حيث التنظيم والتمويل والخبرة والترحيب السياسى الأجنبى والمباركة من بعض دوائر الحكم فى مصر. وكانت الساحة مفتوحة أمامهما بسبب غياب مرشحى الحزب الوطنى الديمقراطى عن الساحة، بعد تجميده ومصادرة أمواله وملاحقة قياداته، وضعف أحزاب المعارضة التقليدية، وانشغال جانب من قوى ثورة يناير بالصراع على الأرض وعزوفها عن المشاركة فى الانتخابات باعتبار أنها تعطل استمرار الحالة الثورية.
فى هذه اللحظة الدقيقة ظهر على الساحة تكتل شديد التنوع وقليل الخبرة- من الرجال والنساء، المسلمين والمسيحيين، الشباب والكهول، رجال وسيدات الأعمال والمهنيين والطبقة الوسطى والنقابيين والعائلات الريفية- لم يجمعهم سوى الحرص على مدنية الدولة والحلم بالحرية والديمقراطية والعدالة، فتكون منهم تيار مدنى غير محدد المعالم. وخلال أسابيع قليلة تكونت عدة أحزاب مدنية لم تكد تتأسس ويصبح لها مقر وبضع مئات من الأعضاء حتى وجدت نفسها فى غمار الانتخابات البرلمانية ضد أحزاب الإسلام السياسى المنظمة تحت الأرض وفوقها منذ عشرات السنين. وبمجهود كبير واستعدادات هزيلة وحماس شديد، فازت الأحزاب المدنية ومعها عدد من النواب المستقلين المنتمين لذات التيار بما يتراوح فى تقديرى بين ستين وثمانين مقعدًا برلمانيًا (الخطوط لم تكن دائمًا واضحة!) تكونت منهم الكتلة المدنية المعارضة. وتعليق الأستاذ/ عماد حسين بأن التيارين الإخوانى والسلفى سيطرا على أكثر من ثلثى البرلمان فى محله. ولكن كيف يمكنك يا صديقى العزيز أن تصف التيار المدنى بأنه كان فى غفلة وقد خاض معركة حامية لاقتناص هذه المقاعد، التى بدونها لكان البرلمان بلا معارضة تُذكر؟
ثم ماذا حدث بعد ذلك؟ هل كان هذا التيار خانعًا وقانعًا بدور المعارضة المستأنسة؟ بالتأكيد لا، والسجلات البرلمانية تشهد بوقوفه فى وجه التيار الدينى بكل الوسائل المتاحة: حضرنا كل الجلسات دون تقاعس، ودرسنا القوانين المقدمة وناقشناها بكل جدية، ودافعنا عن حقوق المواطنين السياسية والاقتصادية، وكنا أول مَن تقدم بمشروعات قوانين للعدالة الاجتماعية ولمكافحة الفساد ولتجريم التمييز، ووقفنا مع ضحايا العنف والطائفية، وخضنا معركة ناجحة لإسقاط اللجنة الدستورية الأولى، وحينما صدر الحكم القضائى بحل البرلمان لم نحزن لزوال المناصب والحصانة، بل رحبنا بالحكم واحترمناه.
ولما فاز التيار الإخوانى بانتخابات الرئاسة فى يونيو ٢٠١٢ ظل هذا التيار يناضل من أجل مدنية الدولة، وتشكلت جبهة الإنقاذ، وعقدت الأنشطة والفعاليات وحشدت الرأى العام، وفى أعقاب الإعلان الدستورى الصادر فى نوفمبر ٢٠١٢، والذى استهدف تحصين قرارات رئيس الجمهورية من رقابة القضاء، عاد التيار المدنى إلى الشوارع، فى وقت اختار فيه الكثيرون أن يلتزموا الصمت اعتقادًا بأن الأوضاع استقرت وأن المستقبل صار إخوانيًا.
ليس هدفى تبرئة التيار المدنى من الأخطاء- وقد كانت كثيرة- بل إنصافه. وليعذرنى الأستاذ/ عماد فى أننى استندت إلى كلمتين عابرتين فى مقاله للولوج إلى هذا الموضوع الكبير. ولكن الوقت حان لكى يستعيد التيار المدنى المصرى المستقل فخره بما قدمه للوطن فى لحظة فارقة، وثقته فى قدرته على المشاركة والتغيير، ويقين الشباب منه بأن لهم دورًا سياسيًا قادمًا لا محالة