توقيت القاهرة المحلي 13:35:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البرشا.. والفتنة.. والدور المفقود للتيار المدني

  مصر اليوم -

البرشا والفتنة والدور المفقود للتيار المدني

بقلم : زياد بهاء الدين

من جديد تضرب الفتنة الطائفية محافظة المنيا، هذه المرة فى قرية «البرشا» التابعة لمركز ملوى، والواقعة على الحافة الشرقية لوادى النيل، بالقرب من حدود أسيوط جنوبا. لا تكاد تمر بضعة أشهر من الهدوء النسبى فى هذه المحافظة التاريخية الجميلة، والمعروفةُ بوصف «عروس الصعيد»، حتى تنطلق شرارة الفتنة مرة أخرى بسبب شائعة عن تحويل منزل إلى كنيسة، أو شجار بين الشباب، أو تعليق مسىء، وغالبا مجهول المصدر على صفحات التواصل الاجتماعى.

فى كل مرة تسرع قوات الشرطة ومعها القوات المسلحة للسيطرة على الموقف، ويتدخل المحافظ والقيادات المحلية لوأد الخلاف، وتلقى النيابة القبض على المتهمين، ويحضر رجال الدين الإسلامى والمسيحى لتقديم النصح وبناء الجسور.

والذى فهمته ممن أعرفهم من سكان المنطقة أن أجهزة الدولة لم تتأخر فى التدخل فى «البرشا» لحفظ الأمن، وأن المحافظ كان متواجدا منذ اللحظة الأولى، وأن النيابة تقوم بالتحقيق مع المتهمين. هذا مطلوب ويجب أن يكون محل تقدير، لأن ما انتقدناه فى سنوات وأحداث سابقة كان تقاعس المسؤولين وعدم تطبيق القانون بحزم والاعتماد على مصالحات عرفية تؤدى إلى تعميق الفتنة وتشجيع التطرف. ومع اقتناعى التام بأن التعامل مع الطائفية يجب أن يكون بوسائل أمنية ومجتمعية معا، إلا أنه متى وقعت الفتنة واشتعل العنف فلا بديل عن التحرك الأمنى/ القانونى السريع والحاسم لتحقيق تهدئة فورية.

ولكن ماذا بعد؟ هل ننتظر وقوع الفتنة القادمة؟ أم أن هناك ما يمكن عمله لتوقى ذلك؟ وهل الاستعداد للمستقبل يكون بزيادة الاستعدادات والموارد الأمنية فقط؟ أم أن هناك تدخلا مجتمعيا مختلفا؟

الدولة فى تقديرى تدرك أن هناك ترتيبات وتدخلات غير أمنية يلزم القيام بها لدرء الفتن مستقبلا. ولكن ما أخشاه أن يكون ذلك مقصورًا على الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية والبنية التحتية من جهة، والدعوة لتحديث الخطاب الدينى وتطوير التعليم من جهة أخرى، وكلاهما قد يكون مفيدا ولكنهما ليسا كافيين وحدهما. هناك مستوى أعمق للطائفية والتطرف فى الوجدان والسلوك والثقافة السائدة، يحتاج تدخلا بذات العمق والاستمرارية، وغير متعارض مع الجوانب الأمنية والاقتصادية والتعليمية التى ذكرتها.

ما يحتاجه المجتمع المصرى هو أن يعود لدينا صوت ووجود وتأثير لتيار مدنى مستقل، يدافع عن مدنية الدولة، ويحرص على حماية الوحدة الوطنية بالقانون، ويعمل على ترسيخ مفاهيم العدالة والمساواة ونبذ التمييز، ويرصد التجاوزات من كل الأطراف، ويقدم للشباب تصورا مغايرا لخطاب التطرف والانعزال والكراهية السائد فى المجتمع.

ما سبق ليس كلاما جديدا ولا نظريا. بل كان لدينا فى مصر طوال العقود الماضية تيار مدنى واسع ومؤثر، وقف ضد التطرف حينما تقاعست الدولة، وتمسك بالعدالة والمساواة حينما زادت ممارسات التمييز والتفرقة، وكان له باستمرار كتاب وأحزاب وجمعيات أهلية وفنانون ومثقفون وشباب متحمسون، لم يجمعهم برنامج سياسى ولا طموح للسلطة، بل اشتركوا فى إدراك أهمية البديل المدنى للحفاظ على هوية المجتمع المصرى الغنى بتعدده والقوى بتنوع مكوناته والمستقر بقدر ما يسوده حكم القانون.

هذا التيار المدنى يجد نفسه الآن فى لحظة ضعف لأسباب عديدة، من بينها بالتأكيد ضيق مساحة العمل السياسى والأهلى وضيق صدر الدولة بالآراء المستقلة فى مختلف المواضيع. ولكن دعونا لا نتوقف عند هذا الحد، بل نعترف بأن هناك الكثير مما يمكن للتيار المدنى المصرى أن يقوم به لكى يعيد تنظيم صفوفه واسترداد بعض فاعليته حتى فى ظل المناخ السياسى الحالى. ولا أعرف أن تيارا اجتماعيا مؤثرا فى التجارب العالمية، بل والمصرية السابقة، قد انتظر مباركة الدولة وموافقتها وضوءها الأخضر كى يحقق أثرًا.

يمكننا على الأقل الاتفاق على مفهوم مدنية الدولة الذى أصابه الكثير من التخبط وحمايته مما اختلط به من مفاهيم، ويمكننا المطالبة بتطبيق النصوص الدستورية الخاصة بحماية المساواة ونبذ التمييز، والسعى لتشكيل لجنة وطنية مستقلة لهذا الغرض، والإلحاح على صدور قانون حماية المساواة، ويمكننا أيضا التفاعل على الأرض مع ممارسات التمييز الواقعة أمامنا جميعا ولو فى أضيق الحدود المهنية والشخصية، وأن نشجع وندعم معنويا من يتمسك بالحق فى هذا المجال. التيار المدنى لا يحتاج موافقة الدولة- وبالتأكيد لا يحتاج مباركة دولية- كى يسترد عافيته، ولكن يحتاج بعض الثقة والشجاعة والاستعداد للتعاون مع الآخرين ولتجاوز الخلافات السابقة والتفاعل مع قضايا الناس ومشاكلهم، ولو فى حدود المساحات المتاحة.

فهل تلقى هذه الدعوة قبولا ممن لا يزال لديهم تمسك بحلم الدولة المدنية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البرشا والفتنة والدور المفقود للتيار المدني البرشا والفتنة والدور المفقود للتيار المدني



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon