توقيت القاهرة المحلي 06:33:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن استقلال القضاء ونزاهته

  مصر اليوم -

عن استقلال القضاء ونزاهته

بقلم : زياد بهاء الدين

ليس خبرًا عاديًا أو مما يمكن أن يمر مرور الكرام ما نُشر بالجريدة الرسمية منذ أيام عن قيام السيد رئيس الجمهورية بإصدار قرار بنقل عشرة من أعضاء الهيئة القضائية والنيابة العامة إلى وظائف غير قضائية، وما نشرته وسائل الإعلام تعقيبًا على ذلك بأن النقل كان لأسباب تتعلق كلها بالسلوك الشخصى.

ليس خبرًا عاديًا، لأن اتخاذ مثل هذا القرار التأديبى حيال عشرة من القضاة وأعضاء النيابة مرة واحدة حدث مهم وذو دلالة كبيرة بالنسبة للمجتمع القضائى محدود العدد، والذى تسوده تقاليد وضوابط مهنية وأخلاقية متميزة. من جهة أخرى، فإن القرار يرسل إشارة مهمة بأن الدولة ليست غافلة عن التجاوزات، وأنها مستعدة للتدخل بسرعة وحسم، حرصا على سمعة ومكانة القضاء المصرى.

هذا اتجاه حميد ومطلوب وعلينا رصده ودعمه، لأنه يصب فى واحدة من أهم مصالح المجتمع، وهى أن يكون لدينا قضاء نزيه ومستقل. ولا أظن أننى بحاجة لتكرار الحديث عن أهمية هذا الموضوع البديهى. يكفى فقط القول بأن العدالة لا تتحقق إلا فى حماية قضاء نزيه ومستقل، وأن تحقيق العدالة هو الغاية الإنسانية الأسمى التى تفوق وتسبق أى إنجاز أو تقدم آخر فى المجتمع.

وقد عبر الدستور الجديد عن أهمية استقلال القضاء ونزاهته بمواد وتعبيرات قاطعة، على رأسها أن «السلطة القضائية مستقلة.. والتدخل فى شؤون العدالة أو القضايا جريمة لا تسقط بالتقادم» (١٨٤)، و«القضاة مستقلون غير قابلين للعزل، لا سلطان عليهم فى عملهم لغير القانون..» (١٨٦)، و«.. تخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته وحيدته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات» (٩٤).

مع ذلك، فإن هذه المواد تظل مجرد كلمات وتعبيرات جميلة ما لم يصاحبها تطبيقٌ على أرض الواقع وحرصٌ على الالتزام بروح النصوص وعلى محاسبة أى انحراف أو تجاوز، لأن هذا ما يحقق النزاهة والاستقلال وليس مجرد الحديث عنهما.

ولكن ما نحتاج للتوقف عنده والتفكير فيه بعمق هو مفهوم الاستقلال ذاته، هل هو مجرد الاستقلال الشكلى للقضاة فى قراراتهم وأحكامهم وعدم تدخل السلطة التنفيذية فى أعمالهم؟.. هذا طبعا هو المفهوم الأساسى والحد الأدنى للاستقلال، ولكنه ليس نهاية المطاف.

الاستقلال يعنى أكثر من ذلك بكثير: أن يكون القضاة مستقلين مما يمكن أن يهدد مسارهم الوظيفى بالنقل أو الندب أو غير ذلك من القرارات الإدارية، وأن يكونوا مستقلين ماليا بما يحفظ لهم الحياة الكريمة ولا يعرضهم لحرج أو ضيق فى الحدود الطبيعية وفى ظل احتياجات العصر، وأن توفر لهم الدولة العمل والإقامة فى مناخ مناسب وفى أماكن لائقة، وأن يجرى تحديث القوانين والنظام القضائى لكى لا يكونوا أسرى إجراءات عقيمة تطيل أمد التقاضى وتُفقده فاعليته وتستنزف طاقاتهم، وأن يستفيدوا بإمكانات حديثة لإدارة المعلومات والملفات تحررهم من سطوة الأجهزة المعاونة، وأن تتطور معهم مهنة المحاماة وتستعيد نقابة المحامين دورها فى حماية المهنة ومجازاة المنحرفين فيها، لأن التقاضى عمل مشترك يساهم فيه المحامون فى تحقيق العدالة بقدر ما يحرصون على نزاهتهم ومهنيتهم.

وهنا أحب أن أدلى برأى حول مسألة التعليق على أحكام القضاء، لأننى شخصيًا لا أرى أن استقلال القضاء يعنى تقييد حرية مناقشة أحكامه، بل بالعكس فإن هذا نقاش مطلوب ومفيد من أجل إثراء الحوار القانونى فى المجتمع وتعميق وعى الناس بحقوقهم وبالمفاهيم القانونية والدستورية.. للقضاء الحق فى ألا يكون التعليق متجاوزًا للياقة والأدب، أو منتقصًا من مكانة القضاة، أو باعثًا على الاستخفاف بهم. ولكن النقاش القانونى المحترم والجاد مطلوب لأن القضاء والعدالة ملك للمجتمع، وحرمانه من الحوار الرصين حول القضايا القانونية ينتقص من قدرته على التطور.

وأخيرا، فإن القضاة هم الحراس الحقيقيون على نزاهة ومكانة واستقلال مهنتهم ورسالتهم، وهم وحدهم القادرون على تبنى إصلاح وتطوير النظام القضائى وتنقيته من كل ما يسىء إليه أو يؤثر فى حيدته ونزاهته، وعليهم يقع عبء ومسؤولية حماية التراث القانونى والقضائى الذى تميزت به مصر وارتفعت معه مكانتها عبر العصور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن استقلال القضاء ونزاهته عن استقلال القضاء ونزاهته



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon