انتقدت الأسبوع الماضى قرار السيد رئيس مجلس الوزراء بشأن تنظيم المهرجانات والاحتفالات الثقافية من منظور أنه يسعى لوضع كل الأنشطة والفاعليات الثقافية تحت سيطرة الدولة ولن يؤدى الا لمزيد من التضييق على حرية التعبير والتدهور فى المستوى الفنى والثقافى بالبلد.
وأود اليوم أن أبدأ بتوجيه الشكر إلى الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، على متابعتها واتصالها لتوضيح أسباب القرار ثم إصدارها بيانا لتوضيح موقف وزارة الثقافة منه. فاهتمام المسئولين بما يكتب وما يقال والتفاعل معه يستحق فى حد ذاته التقدير.
خلاصة ما وضحته الدكتورة وزيرة الثقافة أن الهدف من إصدار القرار ليس تقييد حرية التعبير أو السيطرة على النشاط الثقافى، بل التصدى لظاهرة النصب والاحتيال فى تنظيم المهرجانات والفوضى التى تضر بالثقافة وبسمة البلد. كذلك فقد عبرت عن اهتمامها بتحقيق العدالة الثقافية بين مختلف المناطق والمحافظات بدلا من استمرار تركز الأنشطة الفنية والثقافية فى المدن الكبرى والمنتجعات السياحية، وقد أكدت على أن اللجنة التى سيجرى تشكيلها بموجب القرار الأخير سوف تصدر الضوابط اللازمة لتطبيق أحكامه بما يؤكد هذه المعانى ويبدد المخاوف من أن يكون الدافع هو السيطرة والتقييد.
والذى طرحته السيدة الوزيرة له وجاهته ولا يصح تجاهله أو الاستهانة به. فما وصفته من عمليات نصب واحتيال فى مجال المهرجانات والاحتفالات، واستغلال اسم الدولة والدعم المالى الذى تقدمه، والتلاعب بالشركات الراعية، وابتزاز الفنانين والمشاركين، كل هذا يستحق تدخل الدولة للحد من النصب والفساد فى المجال الثقافى.
ولكن إن كان الهدف من تنظيم المهرجانات والفاعليات الثقافية على نحو ما وصفته وزيرة الثقافة مفهوما ومبررا، فإن الأسلوب والشكل القانونى الذى صدر به قرار السيد رئيس مجلس الوزراء لم يكن موفقا ويستحق التعديل. ولا بأس فى هذا لأن التصحيح من جانب الدولة لا ينبغى أن يعبر عن ضعف أو تردد، بل عن إنصات وتواصل مع المجتمع وحرص على تحقيق الصالح العام. وفى هذا السياق، ولكى يكون الحوار مفيدا، فإننى أقترح التعديلات التالية:
تضييق المعنى المقصود بالمهرجانات والاحتفالات بحيث لا يشمل كل الأنشطة والفاعليات الفنية والثقافية على نحو ما جاء بالقرار، بل يقتصر على ما تتوافر فيه شروط محددة من حيث الحجم والموازنة وعدد الحضور والاهمية، وبالتالى يستبعد من نطاقه الغالبية العظمى من الانشطة والفاعليات والمناسبات الثقافية التى لا ينبغى أن تخضع لمثل هذا التنظيم من الأصل.
التفرقة بين المهرجانات والاحتفالات التى تنظمها وزارة الثقافة أو تقدم لها دعما ماليا أو تساهم فيها بأى شكل آخر، وبين تلك التى يقوم بتنظيمها وتحمل تكاليفها ومسئوليتها جهات من القطاع الخاص أو المجتمع المدنى. فللدولة الحق فى تنظيم ما تقوم به من نشاط أو تدعمه ماليا أو معنويا، وأن تضع له برنامجا سنويا، وتختار محتواه، وتحرص على نشره بين المحافظات المختلفة.
ولكن النشاط الثقافى والفنى الذى تقوم به الشركات الخاصة أو الجمعيات الأهلية فليس على الدولة إلا أن تتحقق من أنه لا ينطوى على سرقة أو نصب، أو اعتداء على حقوق الملكية الفكرية، أو مخالفة للقوانين، أو تهرب ضريبى. أما اختيار موضوع النشاط الثقافى، ومحتواه، وموعده، وأسماء المدعوين له، والمحافظة أو القرية التى ينعقد فيها، فلا ينبغى أن يكون محلا للتنظيم والتدخل من جانب الأجهزة التنفيذية طالما لم تدعمه الدولة بمواردها.
الحد من القيود غير اللازمة التى حفل بها القرار الأخير بلا سبب أو مبرر منطقى، وعلى رأسها ضرورة تقديم طلبات تنظيم المهرجان أو الاحتفال فى شهر يونيو فقط، واشتراط أن تكون غالبية أسهم الشركات المنظمة مملوكة لمصريين، وأن يكون المهرجان أو الاحتفال فى مجال عمل الجمعيات الأهلية، وتخصيص حساب مصرفى مستقل لكل مهرجان أو احتفال، والابلاغ المسبق بأسماء المدعوين.
واخيرا، وفيما يتعلق بقضية العدالة الثقافية، فإن الهدف يجب أن يكون تحفيز الدولة على نشر الثقافة والفن فى مختلف أنحاء الجمهورية، وتوفير المزيد من الموارد لقصور ومراكز الثقافة، والاهتمام بالنشاط الثقافى المدرسى، ورعاية الموهوبين، وتسهيل الاستثمار فى مجالات الفن والابداع، ودعم النشاط الثقافى فى المناطق المحرومة، والاهم من ذلك كله توفير مناخ يحمى ويشجع الإبداع والفن وحرية التعبير. ولكن وضع برنامج ثقافى سنوى يلتزم به القطاعان الخاص والأهلى ويفرض عليهما الوجود فى محافظات ومناطق معينة فليس الوسيلة المناسبة لتحقيق العدالة الثقافية المنشودة.
أكرر شكرى للدكتورة إيناس عبدالدايم واقتراحى لها بالمطالبة بتعديل القرار بدلا من محاولة تصحيحه جزئيا بقرارات وتفسيرات لاحقة.