توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الكويت التي عرفتها

  مصر اليوم -

الكويت التي عرفتها

بقلم : زياد بهاء الدين

كان عمرى اثنى عشر عامًا حينما سافرت إلى الكويت لأول مرة عام ١٩٧٦ فى صحبة والدى ليبدأ محطة مهمة فى حياته المهنية رئيسًا لتحرير مجلة «العربى» الشهرية، وهى المحطة التى امتدت ست سنوات، عاد بعدها إلى مصر فى مطلع الثمانينيات. فى هذا العام، كان أمير الكويت الراحل المرحوم الشيخ «صباح الأحمد الجابر الصباح» وزيرًا لخارجية الكويت، وهو المنصب الذى شغله لمدة أربعين عاما، من ١٩٦٣ حتى ٢٠٠٣، وتركه كى يتولى رئاسة مجلس الوزراء من ٢٠٠٣ حتى توليه إمارة الكويت عام ٢٠٠٦. وقد أعادت لى وفاته من أسبوعين شريط ذكريات عن الكويت التى عرفتها فى النصف الثانى من السبعينيات، وكانت آنذاك واحة للثقافة والتنوير فى منطقة الخليج العربى ومتميزة عن جيرانها فى كل شىء؛ فى مستوى التعليم والثقافة، وفى تنوع مجتمعها الطائفى والسياسى، وفى تجربتها البرلمانية الرائدة، وفى صحافتها الحرة التى صال وجال فيها الكُتاب من كل الاتجاهات، وفى احتضانها للمثقفين والعلماء والفنانين من مختلف أنحاء الوطن العربى واعتزازها بهم. وبالطبع، فقد كان لمصر نصيب الأسد من هذا التجمع الثقافى، وأذكر من نجومه على سبيل المثال فقط - ومع حفظ ألقاب الراحلين منهم والباقين - إبراهيم سعد الدين وجلال أمين ومحمود عبدالفضيل وهناء خير الدين وسلطان أبوعلى وحازم الببلاوى وعمرو محيى الدين فى مجال الاقتصاد، وإبراهيم شحاتة وأكثم الخولى وكمال أبوالمجد وفتحى والى فى مجال القانون، وأسامة الخولى فى مجال العلوم، ويوسف السيسى وسعد أردش وكرم مطاوع فى الفنون الموسيقية والمسرحية، وغيرهم عشرات لا أتذكرهم لحداثة سنى وقتها، ومعهم آلاف الأطباء والمهندسين والمدرسين والمصرفيين وأساتذة الجامعة والقضاة من صناع الحضارة، ومئات الآلاف من العمال والفلاحين والموظفين، كلهم كان مرحبًا بهم، وجميعا كانوا بدورهم حافظين للجميل.

ومع أننى تركت الكويت بعد ثلاث سنوات فقط لاستئناف الدراسة فى مصر، إلا أننى أتذكر حدثين كان لهما وقع الزلزال على استقرار الكويت وتطور مسيرتها: الأول عودة آية الله الخمينى من باريس إلى طهران فى فبراير ١٩٧٩ وما ترتب عليه من اشتعال التوتر السياسى والطائفى فى كل منطقة الخليج العربى، والذى لا نزال نعيش تداعياته، أما الثانى فهو أزمة «سوق المناخ» (البورصة غير المنظمة آنذاك) عام ١٩٨٢ والتى أطاحت بالثروات والمدخرات وبالاستقرار الاقتصادى الذى عرفته الكويت قبلها. ومع ذلك بقيت معنا ذكريات جميلة عن فترة إقامتنا بالكويت، وقد احتفظ والدى- رحمه الله- حتى وفاته بصداقات عميقة أذكر منها المرحوم «محمد مساعد الصالح»، الإعلامى البارز ورئيس تحرير جريدة «الوطن»، و«أحمد الدعيج» رجل الأعمال الذى اختطفه الموت مبكرا، و«عبداللطيف الحمد» وزير المالية السابق ومؤسس الصندوق العربى للإنماء، و«عبدالله النيبارى» السياسى والبرلمانى والمناضل العروبى الذى نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال عام ١٩٩٧ سعت للتخلص منه وإسكات صوته المستقل، وغيرهم من عائلات «الصقر» و«الغانم» و«المبارك» وغيرها. أما صديقات والدتى فقد امتدت بهن وبها الصداقة والوفاء إلى اليوم، وزياراتهن الموسمية إلى القاهرة من الطقوس المستقرة التى نتطلع إليها كل عام.

مرت السنوات وتعاقبت الأحداث. وضرب الكويت والوطنَ العربى الزلزالُ الأكبر المتمثل فى الغزو العراقى عام ١٩٩٠. ثم تحررت الكويت فى العام التالى، وكانت مصر وجنودها فى مقدمة من شاركوا فى تحريرها، وتبعهم مباشرة صناع الحضارة مرة أخرى من الأطباء والمهندسين والبنائين فى كل مجال. ولكن قيل لى إن الكويت تغيرت كما تغير العالم، وإن انقسامات الوطن العربى طالتها، وإن مناخها السياسى الذى تميزت به منذ نصف قرن لم يسلم من الضغوط.

شخصيًّا، لم أعد لزيارة الكويت إلا مرات قليلة، كلها قصيرة، آخرها من أربع سنوات بدعوة من جمعية الهلال الأحمر الكويتى والمبادرة الكويتية لدعم مصر برئاسة السيدة/ عادلة الساير، وتنظيم عضوة المبادرة وصديقة مصر والمصريين السيدة/ «فريال الفريح». وقد أسفر تعاون المبادرة مع جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين عن تنفيذ برنامج لتطوير وتجديد الخدمات الاجتماعية والتعليمية فى قرية «الدوير» بجنوب أسيوط، استفاد منه آلاف المترددين على مركز الشباب وخمس مدارس والمستشفى المركزى والوحدة الصحية ومركز رعاية الأطفال ذوى الإعاقة، فى تعبيرٍ عميقٍ عن استمرار الصداقة والمودة بعد أربعين عامًا. هذه الذكريات الشخصية والمتناثرة أقدمها تحيةً للكويت وشعبها ومشاركةً متواضعة فى رثاء أميرها الراحل «الشيخ صباح الأحمد»، كما أسجل بها لأولادى ولأبناء وبنات جيلهم ما كان ولا يزال بين مصر والكويت من علاقات حميمة وصداقات لم تنقطع وروابط أعمق وأبقى من كل إساءة وتحريض يتعرض لها البلدان والشعبان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكويت التي عرفتها الكويت التي عرفتها



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon