بقلم : زياد بهاء الدين
رغم متابعتى للتصريحات الرسمية فليس واضحًا لى إن كانت الدولة استقرت على توفير تطعيم «كورونا» بالمجان للجميع أم أنها ستقوم بتغطية ذوى الدخول المحدودة من المسجلين بمعاشى «كرامة وتكافل»، بينما يدفع القادرون ثمن التطعيم لأنفسهم. لهذا، وحسمًا للشك، فإننى أنصح الحكومة أن تعلن بوضوح أن التطعيم- حينما يتوافر- سيكون مجانيًا لكل المواطنين وفقًا لترتيب الأولويات المعروف عالميًا.
وفى تقديرى أن مجانية التطعيم ضرورية لأربعة أسباب:
الأول أن شراء الأمصال المطلوبة ليس مكلفًا إلى الحد الذى يمثل عائقًا أمام توزيعه بالمجان، وذلك بافتراض أن الثمن الإجمالى لشراء جرعتين من مصل متوسط التكلفة لنسبة تتراوح بين 60 إلى 75٪ من الشعب (وهو ما يعتبر تطعيمًا شاملًا وفقًا للمعايير الدولية)، لن تتجاوز مائتين وخمسين مليون دولار، أى حوالى ثلاثة مليارات ونصف المليار جنيه مصرى وفقًا للتقديرات المتداولة. وهذا مبلغ ليس كبيرًا بالنظر لما يستهدفه من الحفاظ على صحة وحياة المصريين. ولو شئتم مبررات اقتصادية- وإن كانت غير مطلوبة فى هذا المقام- فإنه مبلغ متواضع بالنظر لأثر التطعيم على سرعة تعافى الاقتصاد وتشجيع السياحة. فإذا أخذنا فى الاعتبار صعوبة توفير الكميات المطلوبة بسرعة فى ظل الطلب العالمى على الأمصال، فإن هذا يعنى أن الصرف على حملة التطعيم سيكون على فترة زمنية ممتدة وليس مرة واحدة. وأعتذر مقدمًا عن الاختصار فى استعراض الأرقام، لأن الغرض ليس الحساب الدقيق بل توضيح أننا بصدد تكلفة يمكن للموازنة العامة أن تتحملها لمواجهة هذا الظرف الخطير.
السبب الثانى أننا ندفع بالفعل منذ عام 2019 ضريبة خاصة، وفقًا لقانون التأمين الصحى الشامل (مساهمة تكافلية) لتمويل نظام التأمين الصحى الذى يجرى تنفيذه تدريجيًا. ووفقًا لنص المادة (2) من قانون التأمين الصحى فإن خدمات الصحة العامة، والخدمات الوقائية، والخدمات الإسعافية، وخدمات تنظيم الأسرة، والخدمات الصحية الخاصة بتغطية الكوارث والأوبئة «تلتزم بتقديمها سائر أجهزة الدولة مجانا».
أما السبب الثالث فهو أن التطعيم عمومًا لا يستهدف فقط حماية من يحصلون عليه، بل الحد من انتشار المرض بين الناس حينما تبلغ نسبة التغطية ما بين 60 و75% من المواطنين. وهذا يعنى أن التطعيم يؤدى إلى حماية من يحصلون عليه وكذلك من يستفيدون من وقف انتشاره على حد سواء، وأن كل فرد يتم تطعيمه يساهم فى حماية المجتمع المحيط به. ولهذا فإن التطعيم خدمة عامة ويلزم تمويلها من موازنة الدولة وليس سلعة خاصة يستفيد منها فقط من يتلقونها.
وأخيرًا، فإن السبب الرابع أن مصلحة المجتمع تتحقق بتطعيم أكبر عدد من الأشخاص من أجل وقف انتشار المرض. ولكن إن كان التطعيم سيُتاح بالمجان لمحدودى الدخل فقط والباقون سيدفعون ثمنه، فإن هذا يعنى أن هناك بالضرورة فئة من المجتمع قد لا تكون واقعة فى تعريف الفقر والاستحقاق، ولكن فى نفس الوقت تتردد فى سداد ثمن التطعيم، وهذه إشكالية نظم الاستهداف بشكل عام مهما بلغت دقتها. ومعنى ذلك ليس فقط حرمان هذه الفئة من الحماية بسبب عجزها الحقيقى أو التردد عن سداد الثمن، ولكن أيضا الحد من استفادة المجتمع كله من فاعلية حملة التطعيم.
لهذه الأسباب أنصح الحكومة بأن تقطع الشك باليقين ولا تتأخر فى الإعلان عن مجانية التطعيم.
والحقيقة أن تنفيذ حملة تطعيم شاملة يحتاج أولًا توفير الأمصال وهو أمر ليس سهلًا، كما يحتاج ترتيبات وإجراءات تنفيذية شديدة التعقيد لضمان وصول الأمصال لأصحاب الأولوية الطبية، فلا داعى لزيادة التعقيد والهموم بفتح باب النقاش حول من يستحقون ومن لا يستحقون، بل لنتفق أن هذه خدمة عامة ستتم إتاحتها مجانًا من خزانة الدولة ونضع جهدنا فى توفير المصل وتوزيعه. وأما من يريدون التبرع أو المساهمة فى حملة التطعيم من رجال وسيدات الأعمال أو من الصناديق أو الشركات أو غيرهم، فلهم بالطبع كل الشكر والتقدير، ولكن يجب أن يظل الأصل أن الدولة ملتزمة بغض النظر عما يأتى من أهل الخير.