توقيت القاهرة المحلي 19:48:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قانون الإجراءات.. وأسلوب مناقشته

  مصر اليوم -

قانون الإجراءات وأسلوب مناقشته

بقلم: زياد بهاء الدين

منذ أسابيع والجدل محتدم حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، المعروض على البرلمان. ولم أكن أنوى التعليق عليه نظرًا لأن أساتذة وخبراء متخصصين قاموا بذلك بالفعل ونشروا آراءهم القيمة. ولكن قرأت بيان لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالبرلمان، الصادر أمس الأول (الثلاثاء)، والمتضمن هجومًا عنيفًا على معارضى مشروع القانون، ففوجئت بمضمونه وتعبيراته التى يجب التوقف عندها حرصًا على تراث وتقاليد الحوار البرلمانى المصرى.

البيان الصادر من اللجنة يسرد أولًا خلفية الموضوع، بدءًا من تلقى مشروع القانون من الحكومة، ثم تشكيل لجنة فرعية ضمت ممثلين لمختلف لجان البرلمان المعنية مع الهيئات القضائية المختلفة، والمجلس القومى لحقوق الإنسان، ونقابة المحامين، وأساتذة القانون، وممثلين عن وزارات الداخلية والعدل وشؤون المجالس النيابية.

وأوضح البيان أن اللجنة ناقشت الموضوع لمدة أربعة عشر شهرًا متواصلة حتى تمكنت من إعداد مشروع قانون جديد، وافقت الحكومة على أن يكون بديلًا عن المشروع المُعد من جانبها. ثم دعا السيد المستشار رئيس مجلس النواب لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية لاستكمال مناقشة مشروع القانون، وحضر جلساتها ممثلو الحكومة ونقيب المحامين، وأخذت ببعض مقترحات نقابة الصحفيين المتعلقة بضمانات حرية التعبير والنشر. وانتهى البيان إلى أن المقرر أن تنتهى اللجنة من أعمالها بالأمس (الأربعاء)، تمهيدًا لعرض مشروع القانون على مجلس النواب.

■ ■ ■

إلى هنا لا شىء غريب، بل من الطبيعى أن تُصدر اللجنة- إذا شاءت- بيانًا توضح فيه ملابسات وظروف إعداد مشروع القانون، ومن الطبيعى أيضًا أن يثير مثل هذا القانون الأساسى والهام ردود فعل مؤيدة ومعارضة.

■ ■ ■

ولكن للأسف أن البيان ينطلق بعد ذلك فى مسار غريب، إذ يصف منتقدى مشروع القانون بأنهم «لجأوا إلى تحويل الخلاف التشريعى إلى خلاف سياسى، متجاوزين بذلك حدود النقاش القانونى»... وأنهم «استخدموا النقد كوسيلة لمهاجمة مشروع القانون والجهة التى أعدته».. وأنهم «لجأوا إلى الكذب والتضليل.. وعمدوا إلى تحريف النقاش». وانتهى بتحذير معارضى المشروع «ممن لهم نوايا خبيثة، أن يدركوا أن العدالة لا تخضع للأهواء».

والحقيقة أن النصف الثانى من البيان غير مقبول ويستوجب السحب والاعتذار للأسباب التالية:

أولًا، لأن اللجنة لها أن تُعد المشروع الذى تقتنع به، ولها كل الشكر والتقدير على ذلك، ولها أن ترد على انتقادات من يعترضون عليه بالحجة والرأى. ولكن ليس لها أن تصفهم بتحويل المناقشة إلى خلاف سياسى، واللجوء للكذب والتضليل وتحريف النقاش، وأن لهم نوايا خبيثة، فهذا خروج عن قواعد الحوار السياسى والبرلمانى المستقرة من قرن ونصف القرن.

ثانيًا، لأن البيان فيه نبرة تهديدية لا يصح أن تصدر من لجنة مهمتها إعداد مشروع قانون للمناقشة، إذ يصف معارضى القانون بأنهم تجاوزوا «حدود النقاش القانونى إلى مهاجمة مشروع القانون والجهة التى أعدته». ولكن ما هى حدود النقاش القانونى؟ وهل هناك نقاش غير قانونى؟ وما معنى مهاجمة الجهة التى أعدت مشروع القانون؟ هل المقصود بذلك الحكومة أم اللجنة الفرعية أم لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية أم جهة أخرى؟ وما المانع من الاعتراض على مواد فى مشروع القانون أيًا كانت الجهة التى أعدته؟

وثالثًا، لأن الفقرة الأخيرة من البيان تضمنت تعبيرًا قد يفسر الخطأ الجسيم الذى ارتكبته اللجنة بإصدار هذا البيان، إذ جاء فيها أن على معارضى مشروع القانون «أن يدركوا أن العدالة لا تخضع للأهواء».

وهنا يستوقفنى استخدام كلمة «العدالة» لوصف عمل اللجنة، أى عدالة بالضبط؟ وما دخل العدالة بمناقشة برلمانية؟ الواقع أن أعضاء اللجنة الموقرين قد يكون بعضهم من القضاة السابقين أو حتى الحاليين (إن كانت اللجنة تستعين بآراء مستشارين فى الخدمة القضائية). ولكن فى الحالتين فهم لا يمارسون هنا عملًا قضائيًا، ولا يسعون للعدالة ولا يعبرون عنها. هذه مهمتهم حينما يجلسون على منصة القضاء التى لها ولهم كل احترام وتقدير، أما عضوية لجنة برلمانية فليست عملًا قضائيًا ولا شأن لها بالعدالة.

أنا طبعًا لم أقرأ أو أشاهد كل ما قيل فى انتقاد عمل اللجنة ومشروع القانون، فهذه مهمة مستحيلة، وقد يكون بعضه خرج عن حدود النقد اللائق. ولكن هذا لا يبرر صدور بيان بهذه الصيغة لأن هذا النقد إما أن يكون موضوعيًا وقيمًا، فيستحق عندئذٍ الرد بجدية واحترام، أو يكون هزيلًا أو حتى خارجًا عن اللياقة، فيستحق الإهمال والتجاهل.

أما أن تصدر لجنة برلمانية بيانًا تهاجم فيه منتقديها والمعارضين لمشروع القانون بهذه الحدة، أو أن تتصور أن عملها له الحماية والاحترام الواجبين للقضاء والعدالة.. فهذا غير مقبول. وأتمنى أن يتدخل السيد المستشار رئيس مجلس النواب لسحبه رسميًا. صحيح أن اللجنة- وفقًا لبيانها- أنهت أعمالها بالأمس، ولكن التدخل يظل مطلوبًا ليس فقط لاستكمال مناقشة قانون الإجراءات الجنائية فى مناخ صحى، وإنما الأهم حرصًا على تراث المناقشة البرلمانية الحرة الذى يستحق الحماية والاحترام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قانون الإجراءات وأسلوب مناقشته قانون الإجراءات وأسلوب مناقشته



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon