توقيت القاهرة المحلي 19:02:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفرصة لإنقاذ قانون المسؤولية الطبية

  مصر اليوم -

الفرصة لإنقاذ قانون المسؤولية الطبية

بقلم: زياد بهاء الدين

تابعت بقدر الإمكان الجدل الدائر حول مشروع قانون المسؤولية الطبية الذى أثار غضبًا واسعًا فى مجتمع الأطباء، ودفع نقابتهم للدعوة لعقد جمعية عمومية يوم الجمعة الماضى للتأكيد على رفض القانون. وقد ساعدنى فى المتابعة العديد من الأصدقاء المعنيين بالقانون بشكل أو آخر، فلهم جميعًا كل الشكر. والموضوع طبعًا لا يخص الأطباء وحدهم بل المجتمع كله.

للوهلة الأولى توحى التطورات الأخيرة بأن الأزمة قد انفرجت- أو متجهة نحو الانفراج- بعد إعلان الحكومة عن موافقتها على إلغاء الحبس الاحتياطى لمقدمى الخدمات الطبية، ثم تراجعها عن عقوبة الحبس ما عدا فى حالات الخطأ المهنى الجسيم، وتبع ذلك قرار نقابة الأطباء بإرجاء عقد جمعيتها العمومية، ثم أخبار عن مفاوضات مستمرة وتوافق وشيك بين نواب البرلمان والحكومة والنقابة (فى إطار لجنة الصحة بمجلس النواب)، قد ينتهى قريبًا بإقرار القانون. كلها أخبار وتطورات طيبة والجهد وراءها يستحق كل تقدير. مع ذلك فإننى أجد نفسى مضطرًا- من منظور قانونى وتشريعى- لإبداء تحفظى على مشروع القانون، لأنه أهم من أن يُترك للحسم بمنطق المفاوضات والتوافقات.

فما مشكلته التى لم تُحل حتى بعد التعديلات التى تم التوافق عليها؟ المشكلة أن مشروع القانون الذى وافق عليه مجلس الشيوخ من أسابيع استند إلى منطق مغلوط من البداية، وهو منطق الصراع بين الطبيب والمريض لا منطق الثقة، وأن حماية المريض تأتى من تجريم الخطأ المهنى وتهديد الأطباء بالحبس والغرامة والتعويض، وتشجيع الشكاوى والاحتكام للنيابة والقضاء. من هذه اللحظة، ومهما جرى من تعديلات ومفاوضات وصياغات، فإن هذا الأساس الصدامى للقانون (إذا جاز التعبير) سوف يظل مستمرًا. من جهة أخرى فإن مشروع القانون خرج من مجلس الشيوخ وفيه تداخل غير معروف فى مدرستنا القانونية بين المدنى والجنائى والإدارى، ومع كل جولة مفاوضات لتحسين مضمونه تزداد مفاهيمه القانونية اضطرابًا.

■ ■ ■

دعونى إذن أتجاوز النظريات وأقدم مقترحًا محددًا. وهو أنه بعد انتهاء المفاوضات بين الأطراف المعنية- النقابة والحكومة والبرلمان- يتم إرجاء المناقشة الأخيرة للقانون لحين إعادة عرضه على لجنة رفيعة المستوى من أعضاء إدارتى التشريع بمجلس الدولة ووزارة العدل، لكى تقوم بضبط مفاهيمه الأساسية وإخضاعه لأصول التشريع السليمة.

وفى هذا الإطار فإننى أقترح إعادة النظر فيما يلى:

أولًا) رغم أن موضوع العقوبات الجنائية تعدل مؤخرًا بشكل إيجابى (بعد اقتراح إلغاء الحبس الاحتياطى وقصر الحبس على الخطأ المهنى الجسيم)، إلا أن الأصح هو حذف العقوبات الجنائية تمامًا من القانون الجديد، بحيث يقتصر على تنظيم المسوؤلية المدنية لمقدمى الخدمات الطبية. وأما عن القول إن الخطأ المهنى الجسيم يستحق عقوبة جنائية (وهو قول صحيح) فإن التعامل معه يكون بالإحالة إلى نصوص قانون العقوبات إن كانت كافية أو بإضافة مواد مستحدثة إن كان لها مقتضى.

ثانيًا) بالنسبة للتعويض المدنى فإن مشروع القانون يكرر أحكامًا ومبادئ استقرت خلال الخمسة والسبعين عامًا منذ صدور القانون المدنى ومعها تراث قضائى مستقر وراسخ. فلماذا نتجه لاختراع عجلة جديدة؟ المطلوب فى القانون الجديد هو وضع الضوابط والمعايير والمفاهيم التى تتم الاستعانة بها عند تحديد ما إذا كان مقدم الخدمة الطبية أخطأ أم لم يخطئ ودرجة مسؤوليته، وكيفية الاحتكام إلى اللجان الجديدة المزمع إنشاؤها. ولكن بخلاف ذلك فالأفضل عدم التوسع فى النصوص والأحكام بل ترك الأمر بيد المحكمة المختصة.

ثالثًا) لا أعلم ما الذى سوف تنتهى إليه المشاورات الجارية حاليًا، ولكن فى بعض المسودات التى اطلعت عليها لايزال هناك تداخل بين الجنائى والمدنى، مثل اقتراح إحالة كل الشكاوى للنيابة العامة، وتداخل بين اختصاص اللجنة العليا للمسؤولية الطبية، المقترح إنشاؤها، ومصلحة الطب الشرعى، وجهات الخبرة التى قد ترى المحكمة الاستعانة بها، وهذه أمور يجب أن تُحسم بدقة منعًا للتداخل فى المفاهيم والاختصاصات.

رابعًا) مازلت أرى فصل صندوق ضمان المسؤولية المهنية الطبية فى تشريع مستقل تقترحه هيئة الرقابة المالية، بصفتها الجهة الرقابية المختصة، وصاحبة الولاية على أى نشاط تأمينى فى مصر.

دعونى أنتهى بما بدأت به، وهو أن القانون كما وافق عليه مجلس الشيوخ انطلق من بداية غير موفقة، وهى نزع عنصر الثقة فى العلاقة بين الطبيب والمريض، واستبدل بها حالة عدائية وصدامية، ثم توسع فى الإحالة للنيابة والمحاكم الجنائية بدلًا من الاقتصار على التعويض المدنى. ومع أهمية التعديلات الأخيرة فى التوصل لحلول توافقية إلا أن القانون فى تقديرى يحتاج بعد كل هذا «الكر والفر» إلى قراءة ومراجعة قانونية رصينة من لجنة متخصصة، تعيد للمفاهيم القانونية انضباطها، وللقانون توازنه واتساقه مع المدرسة التشريعية المصرية العريقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفرصة لإنقاذ قانون المسؤولية الطبية الفرصة لإنقاذ قانون المسؤولية الطبية



GMT 09:33 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ترتيبات استقبال الإمبراطور العائد

GMT 08:36 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مجدي يعقوب والعطاء على مشارف التسعين

GMT 07:59 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

هل مسلحو سوريا سلفيون؟

GMT 07:58 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

عند الصباح

GMT 07:57 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أزمة الغرب الخانقة تحيي استثماراته في الشرق الأوسط!

GMT 07:56 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

القرضاوي... خطر العبور في الزحام!

GMT 07:54 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مخاطر الهزل في توقيت لبناني مصيري

GMT 07:52 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

لعنة الملكة كليوباترا

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 17:49 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

خالد النبوي آخر «الكبار» الغائبين عن دراما رمضان 2025
  مصر اليوم - خالد النبوي آخر «الكبار» الغائبين عن دراما رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon