بقلم : زياد بهاء الدين
دعونى أشغلكم بالصرف الصحى لأنه موضوع مهم، وإن كان بطبيعة الحال غير جذاب، لذلك فلا يأخذ حظه الكافى من المتابعة الإعلامية، ولا يكاد يكون له ذكر على صفحات التواصل الاجتماعى.
دون دخول فى التفاصيل، أُذكركم بأن أهل القرية التى ليس فيها صرف صحى يعيشون فى جحيم على الأرض يؤثر على كل مظاهر الحياة والصحة والمياه والزراعة والماشية، كما أنه يكلف المنزل المتواضع عدة «كسحات» شهريًا لتفريغ الخزانات السفلية، لا تقل تكلفة كل واحدة منها عن ثلاثين جنيهًا فى قرى الصعيد، وأتصور أكثر من ذلك فى وجه بحرى.
وخلال العقود الماضية كان هذا الموضوع، ولايزال، يشغل الناس ويمثل لهم حلمًا بعيد المنال، خاصة أن البيانات الرسمية تشير إلى أن أكثر من ثلثى القرى المصرية محروم من هذا الحق الأساسى. وقد أكد السيد رئيس الوزراء ذات الأمر فى بيانه أمام البرلمان مطلع هذا العام بقوله إن 38% فقط من القرى المصرية بها صرف صحى، وإن المستهدف هو الوصول بنسبة التغطية إلى 60% بنهاية عام 2022.
فى قرية «الدوير» الوادعة بجنوب أسيوط، والتى منها عائلة والدى، عاش الأهالى ولا يزالون مع هذا الكابوس/ الحلم عشرات السنين. لماذا عشرات السنين فقط؟ لأن قبل ذلك كان عدد السكان فى الريف وتركزهم واستهلاكهم للمياه متناسبًا مع الاعتماد على الصرف «الطبيعى» فى آبار تحت الأرض ودون عواقب وخيمة. ولكن مع زيادة السكان وتركز الكتل السكانية فى وسط القرى ودخول مياه الشرب التى زاد معها الاستهلاك والصرف، أصبح الوضع مستحيلًا.
حاولنا كثيرًا فى «الدوير» وحاول المحافظون المتتاليون خلال العشرين سنة الماضية تحقيق هذا الحلم. تحدثت فيه مع الدكتور/ رجائى الطحلاوى فى نهاية التسعينيات، ثم مع اللواء/ أحمد همام فى مطلع القرن الحالى، ثم نجح اللواء/ نبيل العزبى بالفعل عام 2009 فى تنفيذ خط الطرد الرئيسى، ولكن لم يسعه الوقت لاستكمال محطة الرفع والخطوط الفرعية، وعاود اللواء/ إبراهيم حماد المحاولة ولكن فى ظروف الثورة فلم يكن التمويل متاحًا، واقتربنا من النجاح مع الدكتور/ ياسر الدسوقى حينما أقر تمويل بناء محطة الرفع، وطلب من الأهالى أن يتعاونوا فى توفير المكان اللازم فى وسط القرية (أقل من ألف متر مربع) ولكن لم ننجح فى الاستجابة لطلبه. أخيرًا علمت أن القرية جرى اعتمادها ضمن مبادرة «حياة كريمة» لكى تتمتع بالصرف بالصحى بمجرد قيام الأهالى بالتبرع بمبلغ خمسمائة ألف جنيه لشراء الأرض المخصصة لمحطة التجميع والرفع. وهذا تطور إيجابى للغاية، وأتمنى أن يتم التنفيذ سريعًا وينتهى هذا الكابوس.
مع ذلك سألنى بعض الأصدقاء حينما أخبرتهم بالموضوع إن كان من الطبيعى أن يقوم الأهالى بالتبرع لتنفيذ مشروع خدمة عامة، بينما المفروض أن يكون ضمن إنفاق الدولة ومما ندفع من أجله الضرائب. والحقيقة أن معهم حقًا فى السؤال والتحفظ، فهذا ليس وضعًا طبيعيًا، بل القانونى والمنطقى أن تنفق الدولة على الخدمات العامة فى كل أرجاء مصر من موازنتها ومواردها السيادية دون تحميل الناس أعباء إضافية. ولكن أقول لأصدقائى إننا أمام حالة خاصة لأنه لا شىء يوازى فى الأهمية دخول خدمة الصرف الصحى، وأدعوهم إلى تقدير حرص الأهالى فى الحصول عليها بعد طول الانتظار وحماسهم الجارف للمشروع واستعدادهم للإسهام ولو بمبالغ متواضعة فى نجاحه. وشخصيًا، أجد روح التعاون السارية فى القرية لإنجاح هذا المشروع مبعثًا للفخر. وأقول أيضًا للحكومة إن الناس لديها الوعى والمسؤولية والاستعداد للتضحية والتبرع حينما يكونون على ثقة بأن ما يجرى تنفيذه يحقق مصلحة حقيقية لهم وليس فيه شبهة فساد أو تلاعب.
والشكر واجب للسيد اللواء/ عصام سعد إبراهيم، محافظ أسيوط، ولكل مَن أسهم فى تحقيق حلم قرية «الدوير»، وتمنياتى لكل قرى مصر بالتمتع بالصرف الصحى فى القريب العاجل.