توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العدالة أم القانون لمهربى بورسعيد؟

  مصر اليوم -

العدالة أم القانون لمهربى بورسعيد

بقلم-زياد بهاء الدين

من وقت لآخر يطرأ على المشهد العام موضوع يبدو فى أصله بسيطا وعابرا ولكن يتحول، بسبب رد فعل الناس له وانتشاره على صفحات التواصل الاجتماعى، إلى قضية رأى عام ساخنة تفتح جدلا واسعا وتحرك المياه الراكدة وتدفع المجتمع لإعادة النظر فى الأفكار السائدة والقيم المستقرة.

من هذا النوع كان الحوار التليفزيونى الذى أجرته الأسبوع الماضى مذيعة على قناة تليفزيونية محلية لم يتبين لى اسمها مع مجموعة من الفتيان المهربين للملابس والبضائع من مدينة بورسعيد. ولكن بدلا من أن تحقق المذيعة هدفها باستدعاء مشاعر الإدانة والازدراء تجاه هؤلاء المجرمين الصغار وإقناعنا بأنهم متقاعسون عن البحث عن أعمال شريفة متوافرة من حولهم، إذا بها تنجح، بسبب حالة الجهل والصلف والتعالى التى أجرت بها الحوار، فى إثارة التعاطف معهم والغضب على مثل هذا التناول الإعلامى الهزيل بل والانتقاد للسياسات الحكومية العاجزة عن التعامل مع مشاكل المجتمع.

عاصفة التعليق والجدل التى أثارها الحوار التليفزيونى تناولت الموضوع من مختلف جوانبه الإنسانية والاجتماعية والسياسية ولذلك فاسمحوا لى بتجاوز التفاصيل والتأمل قليلا فيما كشفت عنه هذه الواقعة من حاجة ماسة فى مجتمعنا لمناقشة قضية العدالة فى حد ذاتها، مفهومها وأهميتها وأدواتها، وضرورة التفرقة بينها وبين مفهوم النظام القانونى.

النظام القانونى هو ما يشرعه البرلمان من نصوص ملزمة وما تصدره السلطة التنفيذية من قرارات ادارية وما تقرره المحاكم من أحكام واجبة النفاذ. أما العدالة فمفهوم اخلاقى وقيمى يستهدف تحقيق التوازن السليم فى المجتمع بين الحقوق والالتزامات لكل الأطراف حيال بعضها البعض: الدولة والمواطن، الزوج والزوجة، البائع والمشترى، الجانى والمجنى عليه، الشعب والأجيال القادمة، الملكية الخاصة والعامة، الانتاج والحفاظ على البيئة، وغير ذلك من المصالح المتقابلة. وكلما كانت هذه التوازنات منطقية ومتزنة وناتجة عن تفاعل مؤسسى سليم وديمقراطى وتشاركى، كلما كان المجتمع متمتعا بالسلم الاجتماعى والاستقرار الحقيقى.

ولأن القانون والعدالة مفهومان مختلفان، الاول واقعى والثانى قيمى، فليس غريبا أن يكون هناك قانون ظالم أو حكم قضائى غير عادل. والفجوة بينهما هى ما يجعل الجدل القانونى والدستورى مطلوبا فى كل مجتمع ومصدرا للتقدم والترقى لأنه الوسيلة الوحيدة للتحقق من أن القانون ليس بعيدا عن العدالة، بل قريبا منها وساعيا لها ولو لم يبلغها. والقول الشائع بأن الحكم عنوان الحقيقة لا يعنى أن الحكم القضائى بالضرورة عادل وإنما أنه لأسباب عملية وواقعية يجب أن يتمتع بمرجعية مطلقة فى تحديد الحقوق والواجبات والاوضاع القانونية دون أن يعنى ذلك أنه يعبر عن العدالة. ولهذا فإن الحكم القضائى يكون جديرا بالإلغاء أو المراجعة من محكمة الدرجة الاعلى ليس حينما يكون غير عادل بل عندما يخالف تطبيق أو تفسير القانون. وبسبب هذا التناقض المستمر فإن القاضى ذا الضمير اليقظ، حينما يجد نفسه أمام حالة صارخة يتعارض فيها القانون مع العدالة، يبحث عن مخرج إجرائى أو تفسير مبتكر أو نص قانونى مهمل أو حكم سابق يرجح به العدالة على التطبيق التقليدى للقانون ولكن دون أن يسمح لنفسه بمخالفته بشكل صريح.

هذه القضايا الشائكة كلها ظهرت على السطح بمناسبة الحوار التلفزيونى مع مهربى بورسعيد. الذين طالبوا بتطبيق القانون عليهم استندوا إلى انهم لم ينكروا الجرائم التى ارتكبوها، ولم يدعوا جهلا بالقانون، والتصرف الذى قاموا به جريمة واضحة المعالم، واحترام القانون يعنى إحالتهم للنيابة ثم القضاء ليقرر عقوبتهم. اما من انحازوا لهم وطالبوا بالعفو عنهم فقد اعتبروا أن العدالة تقتضى أخذ صعوبة الوضع الاقتصادى الراهن فى الاعتبار، وندرة فرص العمل البديلة، وغرابة ان تتصالح الدولة وتعفو عن عتاة المجرمين والمتهربين من أداء رسوم جمركية وضرائب تبلغ آلاف الأضعاف مما حققه فتيان بورسعيد ثم تنزل عليهم بكامل مطرقة القانون. والمقابلة هنا تعبير واضح عن الصراع بين مفهوم القانون ومفهوم العدالة.

لا أعلم كيف تنتهى قضية مهربى بورسعيد الشبان ولكن أتمنى أن تكون هذه مناسبة للتأمل والتفكير وفتح حوار ضرورى حول مستقبل الفانون والعدالة فى مصر.

نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العدالة أم القانون لمهربى بورسعيد العدالة أم القانون لمهربى بورسعيد



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon