بقلم : زياد بهاء الدين
منذ أسابيع قليلة، تحديدًا يوم ٩ ديسمبر، أعلن السيد رئيس مجلس الوزراء فى كلمته بمقر هيئة الرقابة الإدارية وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمى لمكافحة الفساد، أنه تلقى توجيهات السيد رئيس الجمهورية بأن تتحول مصر إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
وللأسف، إن هذا التصريح- رغم أهميته- مر مرور الكرام فى الإعلام الرسمى، فلم نسمع عنه أى تفاصيل أو متابعة، وكأنه مما يجدر تجاهله أو نسيانه. أما صفحات التواصل الاجتماعى، فقد انشغلت به للساعات القليلة المعتادة، باعتباره رد فعل لانتقاد البرلمان الأوروبى لملف حقوق الإنسان فى مصر أو بالتساؤل عن المقصود منه بما أننا بالفعل دولة مدنية وديمقراطية وحديثة.
شخصيًا، لا أرى تجاهل هذا التصريح ولا اعتباره كأن لم يكن على نحو ما يبدو أن الحكوميين والمعارضين قد اتفقوا وإن كان لأسباب مختلفة، بل أرى أن صدوره على لسان رئيس الحكومة نقلًا عن السيد رئيس الجمهورية فرصة لفتح حوار مهم ومؤجل عن طبيعة الدولة ومستقبلها، وأن التفاعل معه مطلوب إن لم يكن أملًا فى تغيير سريع، فعلى الأقل لإعادة التذكير بمفاهيم المدنية والديمقراطية والحداثة، (وأضيف إليها العدالة) وتجميع التيار المدنى المصرى المتفرق حولها.
نحتاج للتذكير بالمفاهيم الثلاثة التى وردت فى التكليف الرئاسى - ومعها العدالة بجانبيها القانونى والاجتماعى - بعد ما أصابها خلال السنوات الماضية من تشويه واضطراب: بعدما صار الحديث عن الدولة المدنية مرادفًا لرفض الدين أو لتحدى المؤسسة العسكرية، وكلاهما تصوير خاطئ، وبعدما تعرضت الديمقراطية للتراجع حتى فى أعتى الدول وأقدمها فى هذا المجال، وبعدما صار مفهوم الحداثة لا يعبر إلا عن التقدم التكنولوجى واستهلاك كل جديد فى عالم الاتصالات والإلكترونيات، أما مفهوم العدالة فغائب عن الحوار.
وقد طرحت فى مقال من أسبوعين - بعنوان «إنصافًا لأحزاب يناير» - أن على التيار المدنى المصرى أن يستعيد ثقته بنفسه وفخره بالدور التاريخى الذى قام به حينما تصدى لملء الفراغ السياسى فى أعقاب ثورة يناير، ووقف فى مواجهة تيار الإسلام السياسى بين ثورتى يناير ٢٠١١ ويونيو ٢٠١٣ حينما غابت باقى القوى الأخرى عن الساحة. وأضيف اليوم أن الحاجة ماسة لكى يستعيد هذا التيار فاعليته وقدرته على المشاركة السياسية مهما كانت ظروفها صعبة ومقيدة. هذا التيار فى تقديرى قادر - إذا أعاد ترتيب صفوفه وتجاوز خلافاته وترك صراعات وانقسامات الماضى - على أن يعود للساحة مجددًا شريكًا وطرفًا فاعلًا فى صنع مستقبل البلد. ولكن هذا لن يتحقق إلا بتوافق وطنى جديد حول مفاهيم المدنية والديمقراطية والحداثة والعدالة، وبالاقتناع بأن فى مصر جمهورًا واسعًا لا يزال يحلم بتحقيق هذه المبادئ ويتطلع لإعادة طرحها من منظور جديد يتعلم من تجربة السنوات العشر الأخيرة، ولكن يتجاوز خلافاتها ويبدأ من نقطة جديدة.
هذه المفاهيم الأربعة لا تعبر بالطبع عن كل احتياجات المجتمع، ولا تقدم حلولًا جاهزة لمشاكله، ولكنها يمكن أن تكون إطارًا عامًّا يسمح بالحد الأدنى من الاتفاق، حتى وإن بقى لكل تيار فكرى أو فصيل سياسى خصوصيته فى اختيار تفاصيل السياسات الاقتصادية والاجتماعية. ولهذا فما أدعو إليه هو إعادة تجميع صفوف تيار واسع قد يضم أحزابا، وقد يضم أشخاصا، وقد يضم ممثلين لتجمعات نقابية وأهلية، طالما كان بينها اتفاق على تلك المفاهيم والمبادئ الرئيسية. وسوف أسعى من جانبى ومن خلال مجموعة مقالات قادمة لطرح هذه المفاهيم للنقاش، ليس من منظور أكاديمى بل بشكل عملى وقابل للتداول، دفعًا لحوار مطلوب ولتعاون حان وقته.
مع تمنياتى بعيد ميلاد مجيد وبأعياد سعيدة.. ولمصر وشعبها الصحة والسلامة.