بقلم : زياد الدين بهاء
علقت الأسبوع الماضى على مرور عام كامل على صدور قانون جديد للجمعيات الأهلية دون أن تصدر لائحته التنفيذية، رغم أن هذا القانون النافذ منذ أغسطس الماضى كان يلزم السيد رئيس مجلس الوزراء بإصدار لائحته خلال ستة أشهر، ورغم ما تسبب فيه هذا التأخير غير المفهوم من تعطيل لنشاط الجمعيات والمؤسسات الأهلية وعرقلة أعمالها التنموية والخيرية التى يحتاجها المجتمع أشد الاحتياج فى ظل ظروفنا الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
وقد أسعدنى أن تتفاعل مجموعة متميزة من الجمعيات الأهلية المصرية مع «ذكرى» صدور القانون بحماس وإيجابية- مقابل الصمت الحكومى الرهيب- وذلك بالاتفاق على توجيه مذكرة جماعية إلى السيدة وزيرة التضامن، لحثها على الانتهاء من مراجعة اللائحة وتقديمها لمجلس الوزراء، كما اتصل بى العديد من الجمعيات العاملة فى مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية، وكلها تدعم المطالبة بصدور اللائحة وتفعيل القانون الجديد بشكل كامل.
هذا التفاعل والتحرك الإيجابى من جانب مؤسسات المجتمع المدنى مطلوب الآن وبشدة، وعلى الجمعيات والمؤسسات الأهلية أن تتعاون وتضم الأصوات والصفوف كى يعلو صوت المطالبة بتفعيل القانون الجديد وبإعطاء هذا الموضوع الأولوية التى يستحقها. ودون هذا التحالف والتعاون بين منظمات المجتمع المدنى المصرية فقد يطول الأمر ويتراخى، ويظل النشاط الأهلى مضطرًا للعمل فى مناخ يحيط به الغموض والترقب على نحو ما جرى طوال العام الماضى.
على أن التعاون بين المنظمات الأهلية المصرية ينبغى ألا يقتصر على مجرد الدعوة لصدور اللائحة التنفيذية، بل يجب أن يتجاوز ذلك إلى المطالبة بالاطلاع على مسودتها وإبداء الرأى بشأنها والتحقق من أنها لم تنتقص من المكاسب النسبية من القانون الجديد. فالمهم ليس صدور اللائحة فحسب واعتبار أن الشكل القانونى قد اكتمل، بل تضمين هذه اللائحة ما يؤكد المكاسب القانونية ويحميها ويضعها موضع التطبيق الفعلى.
هذا الموقف المشترك، الذى أدعو الجمعيات والمؤسسات الأهلية للتوحد وراءه لكى يكون مؤثرًا ودافعًا لبناء جسور الثقة مع الرأى العام ومع الدولة، يجب أن يؤكد عدة حقائق جوهرية تضيع أحيانا فى ظل التوجس السائد من جانب أجهزة الدولة تجاه النشاط الأهلى:
الحقيقة الأولى أن المجتمع المدنى المصرى ليس مجموعة محدودة من المنظمات الحقوقية (مع احترامى لها وتقديرى الكامل لعملها)، بل عشرات الآلاف من الجمعيات والمؤسسات المنتشرة فى كل أنحاء البلد والعاملة فى مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
والحقيقة الثانية أن المنظمات الأهلية، بما لها من وجود على الأرض واتصال قريب بالناس، كثيرا ما تكون قادرة على الوصول إليهم والاستجابة لاحتياجاتهم اليومية أفضل من الأجهزة الرسمية المثقلة بالقواعد والبيروقراطية، وللأسف بالفساد أحيانا.
أما الحقيقة الثالثة فهى أن الظروف الاقتصادية الراهنة وتداعيات وباء «كورونا» بالذات تحتاج لتضافر كل الجهود، وإطلاق طاقات العمل الأهلى والخيرى فى مصر لا تقييده واعتباره منافسًا أو مزاحمًا للنشاط الحكومى.
أما الحقيقة الرابعة والأخيرة فهى أن المطالبة بتفعيل القانون الجديد وإصدار لائحته وحماية مكتسباته ليست مطلبًا أجنبيًا، ولا يهم على الإطلاق إن كانت المنظمات الدولية تتابعه وتدعمه، بل هو مطلب وطنى محلى يساعد على توفير المزيد من الحماية الاجتماعية والدعم الاقتصادى والخدمات العاجلة والتوعية بالحقوق القانونية للمحتاجين والضعفاء من أهلنا.
هذه دعوة للتعاون بين منظمات المجتمع المدنى والمهتمين بالنشاط التنموى والأهلى كى يطالبوا بصدور اللائحة وتفعيل القانون وإطلاق طاقات العمل التطوعى حتى لا يضيع المزيد من الوقت، وتضيع معه الفرص والإمكانات والموارد فى انتظار لائحة لم تصدر بعد.