بقلم : زياد بهاء الدين
للانتخابات الرئاسية الأمريكية كل أربعة أعوام وضع خاص يميزها عن أى انتخابات أخرى، ليس فقط للتغطية الإعلامية المثيرة التى تصاحبها، ولا الأموال الطائلة التى تنفق عليها، وإنما لأن نتائجها تؤثر بشكل أو بآخر على العالم بأسره سياسيا واقتصاديا. ولهذا ينتظر الجميع نتيجتها بشغف واهتمام.
وإن كانت الانتخابات الأمريكية دائما مثيرة للاهتمام والمتابعة، فإن الانتخابات المقبلة ذات أهمية خاصة، لأنها لا تدور حول سياسات محددة أو برامج اقتصادية خلافية كما كان الحال سابقا، بل تمثل لحظة فارقة يختار فيها الشعب الأمريكى مصيره ومساره ومدى استعداده لتجديد رئاسة هزت الكثير من القواعد المتعلقة بالقانون والدستور، والتجارة العالمية، وحقوق الفقراء والأقليات والمرأة، وتلوث البيئة.. وغيرها.
فأين نحن من هذا كله؟ وأين تقع مصلحتنا فيما تسفر عنه الانتخابات المقبلة؟
الاعتقاد الشائع فى مصر أن مصلحتنا مع فوز الرئيس «دونالد ترامب» وخسارة منافسه نائب الرئيس السابق «جو بايدن». ويستند هذا الرأى إلى أن «بايدن» سوف يمثل امتدادًا لسياسة الرئيس السابق «باراك أوباما» ووزيرة خارجيته «هيلارى كلينتون» فى مساندة تيار الإسلام السياسي- وبالذات الإخوان المسلمين - والدفع بعودته إلى الساحة السياسية إن لم يكن إلى الحكم. وهذا بعكس الرئيس «ترامب» الذى لم يدعم الإخوان المسلمين ولم يفتح لقياداتهم أبواب البيت الأبيض، ولم يتحفظ على ثورة ٣٠ يونيو بل دعم مصر وحكومتها وسياساتها- وإن كان أحيانا بغير لباقة.
ولكن هل الموضوع بهذه البساطة والوضوح؟ وهل فعلا مصلحة مصر ترتبط قطعًا بفوز الرئيس «ترامب» واستمرار سياساته؟ وهل من الحكمة أن يكون منظورنا الوحيد للانتخابات هو موقف الرئيس القادم من الإسلام السياسى والإخوان المسلمين دون غيره من القضايا؟.
لا أظن ذلك، لعدة أسباب، أولها أنه رغم دعم إدارة «أوباما» وخارجية «هيلارى» للإخوان المسلمين دعمًا بلا حدود ولا تحفُّظ، حتى بعدما صار واضحًا أن الجماعة فشلت فى إدارة البلد وفى بناء جسور الثقة مع الناس ومع المؤسسات، إلا أن هذا لا يعنى تكرار هذا الموقف فى ظل رئاسة «بايدن» والحزب الديمقراطى.. بل أظن أن فكرة البديل السياسى الإسلامى التى روجت لها إدارة «أوباما» قد فقدت بريقها وجاذبيتها فى ظل أحداث الأعوام الماضية، وباتت مما تسعى الحكومات التى دعمت الإخوان المسلمين منذ عشر سنوات لنسيانه وطى صفحته.
كذلك فإن اليقين بأن إدارة «ترامب» والحزب الجمهورى ستأخذ باستمرار صف الحكومات العربية فى مواجهة كل المخاطر الخارجية والداخلية وأنها سوف تحرص على ألا تهتز عروشها.. قد يكون له ما يبرره فى ظل مواقف سابقة، ولكن لا يوجد ما يؤكد استمراره، لأن قرارات الرئيس «ترامب» لم تكن مدفوعة إلا بالحرص على جمهوره وناخبيه، وعلى مصالح ضيقة وقصيرة المدى، كما أنها كانت مشتتة ومتناقضة، ولهذا فلا يعول عليها كثيرا فى المستقبل.
الأهم مما سبق أن تقييم كل موقف داخلى وخارجى من منظور أوحد، هو مدى توافقه أو تعارضه مع الإخوان المسلمين، لم يعد كافيا ولا مناسبا لظروفنا الحالية بعد أن انحسرت شوكة الجماعة فى مصر، وانصرف الناس عنها، ولم يبق لها واقعيًا سوى التواجد الإعلامى الخارجى فاقد المصداقية والمرتبط برغبة ومزاج مموليه. تحديات اليوم تعددت واختلفت وعلى رأسها الوضع الاقتصادى، وتداعيات «كورونا»، والفجوة الاجتماعية المتسعة، وغياب مسار سياسى، وانحسار دور المجتمع المدنى. كل هذه قضايا ملحة ينبغى أن تشغلنا بالتأكيد أكثر من برامج ومحطات تلفزيونية خارجية سخيفة، ما كان الناس لينتبهوا إليها أو يعيروها اهتماما لو كان إعلامنا أكثر إقناعًا.
نحن فى كل الأحوال فى هذا الموضوع متفرجون، وعلينا انتظار النتيجة والتعامل معها، ولكن دعونا على الأقل ننتهز الفرصة لإعادة التفكير فيما يحقق مصالحنا بشكل أكثر واقعية وأكثر اتساعًا وأكثر توافقًا مع احتياجاتنا ومشاكلنا الراهنة.